اللحوم والألبان النباتية .. فقاعة؟

17/03/2024 0
د. فهد الحويماني

أسواق الأسهم ليست فقط لتداول ملكية أسهم الشركات والحصول على تمويلات مالية سخية من المستثمرين، بل إن لها دورا تسويقيا مهما للشركات المدرجة، التي تستفيد من اهتمام المستثمرين ومتابعة المحللين ودراساتهم، لما تقدمه تلك الشركات من خدمات ومنتجات، ينتج عنها في نهاية الأمر تأثير في قرارات المستهلكين. وبين الحين والآخر تظهر لدى المستهلكين موضات جديدة وأنماط استهلاكية وسلوكيات وقناعات معينة، فتقوم الشركات الريادية بالاستجابة لها وتقديمها كمنتجات، ولاحقا يتم طرح هذه الشركات في الأسواق المالية، في الأعوام القليلة الماضية ازدادت شعبية بدائل المنتجات الحيوانية من لحوم وألبان نتيجة تزايد الوعي بالاهتمام بصحة الإنسان ولدعم الاستدامة البيئية والرفق بالحيوان، وكذلك نتيجة تزايد الوعي بمخاطر الدهون والكوليسترول والتأثيرات السلبية لمادتي الجلوتين واللاكتوز لدى بعض الناس. الانجذاب نحو هذه المنتجات النباتية ليس فقط من قبل الأشخاص النباتيين، الذين يشكلون في أمريكا فقط 2 % من السكان، بل إن عدد المستهلكين للمنتجات النباتية يتجاوز عدد المستهلكين التقليديين الذي كانوا يقومون بذلك لأسباب دينية أو أخلاقية أو صحية بحتة.

يبدو أن هذه الشعبية الظاهرة ليست إلا فقاعة، على الأقل فيما يخص حركة أسعار أسهم الشركات العاملة في المجال، التي واجهت انخفاضات حادة في السنوات الثلاث الماضية، بعضها بنسب هبوط تجاوزت 95 % كما في الشركة المنتجة لبدائل اللحوم "بيوند ميت". وهنا يمكننا التفريق بين تراجع المبيعات وتراجع أسعار الأسهم، حيث إن أخطر ما يمكن أن تواجهه أي شركة تراجع مبيعاتها، ولا سيما تلك الشركات التي لديها منتجات جديدة، فتكون المبيعات دليلا قويا على قبول المستهلكين منتجات الشركة، لذا فيما يخص شركة اللحوم البديلة فهناك تراجع حقيقي في المبيعات، من 465 مليونا في 2021 إلى 343 مليون دولار في 2023. أما شركات الألبان النباتية فهي تعاني تراجعات كبيرة في أسعار أسهمها، ولكن لا يزال لديها نمو في المبيعات، وإن لم يكن بالنسب العالية المرجوة من شركات لديها منتجات ثورية، إن صح التعبير.

أحد أهم أسباب انجذاب الناس نحو الحليب النباتي المستخرج من الشوفان واللوز والصويا والجوز والأرز يعود إلى خلوه من مادة اللاكتوز الموجودة في حليب البقر، التي يصعب على نحو 65 % من الناس هضمها بسبب نقص هورمون "اللاكتيس" لديهم، لذا تقوم بعض شركات الألبان التقليدية بإنتاج حليب أبقار يتم تسويقه على أنه خال من اللاكتوز، وذلك بإضافة هورمون "اللاكتيس" إليه. وأكثر أنواع الحليب النباتي استهلاكا هو اللوز ومن ثم الشوفان، وكلاهما يتمتع بنسب قليلة من السعرات الحرارية وقليل من البروتينات وقليل من الكربوهيدرات. ولو أنك تجولت في أحد متاجر الأغذية فستجد عدة أنواع من الحليب النباتي بعلامات تجارية جديدة، وبحسب دراسات سابقة من المتوقع أن تتجاوز مبيعات حليب اللوز 13 مليار دولار 2025، لكن يبدو أن أسواق الأسهم لا تؤيد هذا التوجه عطفا على التراجع الكبير لأسهم شركات مثل "صن أوبتا" و"أوتلي" وغيرها.

من جهتها، تعتمد شركات اللحوم النباتية في إنتاجها على البقوليات مثل البازلاء والفاصولياء واللوبياء والفول إلى جانب الأرز الأسمر كمادة رئيسة للمنتج وكمصادر بديلة للبروتين في هذه اللحوم، وتستخدم زبدة الجوز كبديل للدهون، ولديها طرق متنوعة لتحسين الشكل والطعم والرائحة من خلال تخشين الخلطة وإضافة كريات زبدة الجوز لتظهر بشكل حبيبات الدهون الظاهرة على اللحوم الطبيعية، وتستخدم عصارة البنجر ذات اللون الأحمر البرتقالي لتشابه ذلك بحمرة الدم في اللحوم، مع التحكم في سرعة خروج العصارة ومدى تماسكها، ومن ثم تغير لونها إلى البني الغامق عند ارتفاع درجة حرارتها، وبوساطة علم الروائح استطاعوا إضافة مواد تعطي روائح قريبة جدا لرائحة اللحوم.

وعلى الرغم من ذلك يبدو أن شركات اللحوم البديلة لم تنجح حتى الآن في استقطاب مزيد من المستهلكين وجعلهم يستخدمون اللحوم النباتية كبديل دائم عن اللحوم الطبيعية، ومعظم الانتقادات ترى أن هذه اللحوم معالجة بشكل مكثف وأسعارها عالية نسبيا، ثم هناك آراء تراهن على بدائل أخرى تتم من خلال استخدام لحوم طبيعية تصنع في المختبرات، يتم من خلالها التحكم في نسب الدهون والكوليسترول، ويتم ذلك بأخذ عدد قليل من الخلايا الجذعية من أبقار حقيقية، وجعلها تكبر وتتكاثر خلال أسابيع قليلة داخل المختبرات!  

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية