لحسن الحظ أن سوق التمويل العقاري في المملكة 2008 لم تكن متطورة ولا نشطة بالشكل الكافي الذي كان سيوقعها في أزمة مالية مكلفة، كما حدث لسوق التمويل العقاري الأمريكي الذي بسببه اندلعت أزمة مالية عالمية طالت دولا عديدة. وفي الوقت نفسه استفادت السوق المحلية من تجارب الدول المتأثرة، وما تم إقراره من ضوابط وقوانين للحد من الوقوع في كوارث مشابهة. لكن منذ 2017 حين تم إطلاق الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري تغيرت منظومة التمويل العقاري المحلية بشكل كبير، وظهرت هناك سوق ثانوية لإعادة التمويل، يستفيد منها حاليا عدد كبير من البنوك ومؤسسات التمويل، سواء عن طريق الحصول على السيولة أو أدوات التحوط وإدارة المخاطر أو غير ذلك من خدمات مالية، فإلى أين وصلنا من حيث إعادة التمويل العقاري، وإلى أين نحنا متجهون؟
الهدف من إعادة التمويل العقاري بطرق مؤسساتية، كما تقوم به الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري المملوكة من قبل صندوق الاستثمارات العامة، هو أن يكون هناك ضبط لعملية التمويل العقاري حيث تحصل الجهات الممولة، كالبنوك ومؤسسات التمويل، على ما تحتاج إليه من سيولة لتستطيع مواصلة تقديم القروض العقارية للمستفيدين، ولكي يتم لها ذلك فهي تحتاج إلى رفع جودة القروض من حيث قدرة الشخص المقترض ومبالغ التمويل الممكنة، وكذلك عليها أن تتماشى مع تكلفة التمويل المتحققة عن طريق شركة إعادة التمويل. أي إن على جهات التمويل العمل بأساليب تمويل أفضل وبمواصفات ومقاييس معينة لتتمكن من بيع قروضها لشركة إعادة التمويل، ما يعني الحد من الأخطار، والإسهام في تحقيق مستهدفات السوق العقارية بالوصول إلى 70 في المائة كنسبة تملك للمساكن في المملكة، وهي النسبة التي كانت 47 في المائة في 2016 وأصبحت 60 في المائة بنهاية 2022.
هناك نشاط ملحوظ لشركة إعادة التمويل العقاري، التي رأسمالها خمسة مليارات ريال، ولديها أصول تتجاوز 30 مليار ريال، كما في سبتمبر 2023، وطريقة عملها ببساطة أنها تحصل على تمويلات نقدية من فئات عديدة من المستثمرين وكذلك من البنك المركزي، وتقوم بشراء محافظ العقود العقارية من البنوك، كما حدث ذلك في الآونة الأخيرة مع بنك الراجحي الذي لديه برنامج تمويل مع الشركة بمبلغ 10.5 مليار ريال، وغيره من بنوك في فترات سابقة. حاليا يبلغ ما تم الحصول عليه من تمويل لمصلحة الشركة 17.3 مليار ريال بفترات استحقاق من خمسة إلى عشرة أعوام، بعضها بتكلفة منخفضة نحو 2 في المائة فقط، وبعضها بتكلفة أعلى على الشركة تصل إلى 4.3 في المائة، بسبب ارتفاع معدلات الفائدة بدءا من 2022. لكن أسلوب عمل الشركة مربح، كغيرها من الشركات المشابهة حول العالم، حيث تبلغ أرباحها منذ إنشائها نحو 325 مليون ريال، ولديها تصنيف ائتماني عال جدا من قبل وكالات التصنيف العالمية.
من الواضح أن هناك فوائد ملموسة من وجود شركة إعادة التمويل، ومن المتوقع أن تسهم في تنشيط سوق التمويل العقاري في الفترات المقبلة، لكن لا تزال هناك حاجة إلى طرح صكوك الشركة للتداول من أجل رفع مستوى المشاركة في السوق الثانوية، فالذي يحصل حاليا هو أن الشركة تشتري المحفظة العقارية من أحد البنوك، بينما لو كانت هناك سوق لتداول صكوك التمويل العقاري لارتفعت نسبة المشاركة أكثر منها حاليا، ولتمكنت الشركة بدلا من التمويل المباشر للبنوك أن تقوم ببيع صكوك للبنوك، يقومون هم بدورهم بتداولها في السوق للحصول على السيولة، أو الاحتفاظ بها إلى وقت الحاجة. للمقارنة السريعة بالتجربة الأمريكية، فأول سندات إعادة تمويل تم طرحها كانت عام 1970 من قبل الشركة الحكومية "جيني ماي"، التي بالمناسبة لديها اتفاقية تعاون مع شركة إعادة التمويل السعودية، وهي شركة معنية بالقروض العقارية المقدمة من جهات حكومية ومضمونة بشكل كامل من قبل الحكومة الأمريكية، تقريبا كما لو أنها سندات خزينة، بينما هناك شركتان أخريان، "فريدي ماك" و"فاني ماي"، وهما كذلك حكوميتان، لكن درجة ضمان سنداتهما تعد أقل من سندات "جيني ماي".
ليس بالضرورة أن يتم طرح صكوك التمويل العقاري فقط من قبل المؤسسات الحكومية المذكورة، بل يمكن لأي بنك أو مؤسسة مالية القيام بذلك عن طريق الشراء المباشر لعقود التمويل العقاري من البنوك المصدرة، أو بطريقة ما يعرف بتمرير التدفقات النقدية لهذه العقود، لكن الفارق هنا يكمن في اختلاف المكانة الائتمانية بين الصكوك المطروحة من قبل المؤسسات الرسمية، "جيني ماي" وغيرها، وتلك المطروحة من قبل جهات تجارية لديها درجات متفاوتة من التصنيف الائتماني. وللمعلومية فإن نحو 60 في المائة من القروض العقارية في أمريكا يتم تحويلها إلى سندات رهن عقاري، لكن بعد الأزمة المالية 2008، تراجعت سوق سندات الرهن العقاري غير الحكومية، واستمر نشاط المؤسسات الحكومية الثلاث بلا تأثر. وفي المتوسط يتم تداول نحو 300 مليار دولار من سندات الرهن العقاري يوميا، والقيمة الإجمالية لجميع سندات الرهن العقاري الحكومي وغير الحكومي كانت 12.2 تريليون دولار في 2021، وبعد رفع أسعار الفائدة وما سببه ذلك من خفض لأسعار السندات، إضافة إلى ما تبع ذلك من تراجع في الطلب على المنتجات العقارية، لم ترتفع قيمة هذه السندات كثيرا منذ 2021.
تجربة إعادة التمويل العقاري في المملكة جريئة وجيدة وحققت نجاحات جيدة خلال فترة قصيرة، سواء من خلال السعر المرجعي للتكلفة الثابتة الذي تنشره الشركة ويعتمد عليه في شراء القروض وتوجيه تكلفة التمويل العقاري على العملاء، أو من خلال مدها البنوك بالسيولة اللازمة، وبالفعل زادت القروض العقارية السكنية من 20 مليار ريال في 2017 إلى 156 مليار ريال في 2021، ثم في 2022 بدأت وتيرة التمويل في التباطؤ بسبب الظروف المالية العالمية فوصلت إلى 123 مليار ريال في 2022، وتتبقى لدى الشركة عدة مراحل للتطوير، سواء بطرح صكوكها للتداول والتوسع في طرح فئات متنوعة من الصكوك بعوائد مختلفة بحسب جودة القروض، إلى جانب التوسع في أساليب التمويل من امتلاك كامل للمحافظ العقارية أو جزء منها أو مقابل جزئيات معينة كالحصول على التدفقات النقدية للقروض، مع تحمل تعثر العملاء من عدمه، وغير ذلك من أساليب مرنة ترفع من نشاط السوق الثانوية ودرجة المشاركة فيها.
نقلا عن الاقتصادية
تحية طيبة دكتورنا،، مقال رائع ومفيد كعادة مواضيعك،، اذا تسمح لي بسؤالين دكتور،، الاول يخص نسبة استقطاع التمويل العقاري من الدخل الشهري _ اللي يوصل الى ٦٥٪_ رأيك فيه بشكل عام وماهي النسبة اللي تراها مناسبة لتحقيق التوازن بين المسكن و المصارف والالتزامات الاخرى،، السؤال الثاني يخص الايجار، برأيك ماهو النطاق المعقول للايجار كنسبة من الدخل،، مع جزيل الشكر والتقدير
سن قوانين تجيز للبنوك استقطاع نسبة أكثر من 35% كارثة في حق المجتمع ... وسكوت الكتّاب اقتصاديين أو اجتماعيين عن جشع البنوك خيانة... بالله عليكم ... إذا استقطتع البنك 65% من الراتب ماذا بقي لأفراد عائلة المقترض..+ 20% قرض سيارة +مدارس مناسبات أعياد ترفيه ...كيف يعيشهم حياة كريمة وهو مقيّد 20 سنة ... والحمد لله الذي عافانا
العاقل خصيم نفسه اخوى والمفروض من الانسان ان لايحمل نفسه فوق استطاعته فامتلاك مسكن وان كان محبذ ولكنه ليس من ضروريات الحياة والتى تحعل الشخص يورط نفسه فى امور لايستطيع ان يتحملها فلله منحنا العقل لكى نستخدمه ولا يجب القاء اللوم على الاخرين عندما يتصرف الشخص بتهور فيورط نفسه ويورط اسرته معه
هل فيه افصاح من البنوك عن القروض العقارية المتعثرة؟
ماشاء الله عليك مبدع في مقالاتك