انجذب كثير من رواد الأعمال والشباب لسوق "الأكل" وافتتحوا المطاعم وكلهم أمل بالنجاح.. وتحقيق الأرباح والنمو المتاح.. وانتهت رحلتهم باكراَ في أول صباح، سأذكر لكم قصة أحدهم في هذا السوق وليكن اسمه رابح. كان لدى رابح الشغف في دخول سوق المطاعم حيث إنه يتقن عمل وجبة البرجر المشوي بشهادة كل من ذاقه، وفي عام ٢٠١٥م افتتح أول مطعم له في أحد أهم الطرق التجارية في الرياض. حقق المطعم نجاحاَ باهراَ حيث حرص رابح على عمل دراسة جدوى فعالة وقدم منتجا وخدمة ممتازة فتحققت أرباح جيدة نهاية ذلك العام. في تلك الأثناء، قام أحد المستثمرين بإنشاء سوق الوهقه وجمع في هذا السوق أغلب المطاعم في الرياض. كان هذا السوق مغريا للمطاعم حيث يوفر الدخول لقاعدة عملاء جديدة بدون رسوم تسجيل أو إيجار، ولكن بنسبة ٨٪ من المبيعات تدفع لصاحب السوق. ولذلك قرر رابح بالدخول في سوق الوهقه وبدأ يحقق مبيعات جيدة حيث استطاع صاحب السوق أن يجلب أعداداَ هائلة من العملاء لهذا السوق. لاحظ رابح أن مبيعات مطعمه في الطريق التجاري المهم بدأت تقل حيث أن العملاء بدأوا بالتوجه لسوق الوهقه لكثرة الخيارات والتسويق القويّ للسوق.
اتضح لرابح أن مبيعاته في سوق الوهقه تحقق نموا في المبيعات، ولكن أرباحه بدأت في الانخفاض تدريجياَ. بدأ مالك سوق الوهقه برفع العمولة عاماَ بعد عام حتى تضاعفت وفي المقابل ازدادت مبيعات مطعم رابح في السوق وانخفضت في مطعمه الأساسي ومقره التجاري. اتضح لرابح أن أرباحه انخفضت بنسبة ١٥٪ ولكن المبيعات في نمو مما كان مقبولاَ ومعادلاَ في آنه، بعد عام ٢٠٢٠م تزايد أعداد عملاء سوق الوهقه بشكل هائل وقررت جميع المطاعم الدخول في السوق وأصبح مكتظا ولذلك لاحظ رابح توقف نمو المبيعات لديه وبدأت بالانخفاض. ولأن مطعم رابح أصبح معتمدا على هذا السوق فقرر أن يتباحث مع فريق العمل ليجدون طريقة عملية للحفاظ على نمو مبيعاتهم. اتضح لرابح وفريق عمله أن إدارة سوق الوهقه عملت حملة تخفيضات تسوّق للمشاركين بها وتضع شعاراتهم في واجهة السوق. فقرر رابح الدخول بالتخفيض والمشاركة في هذه الحملة ولاحظ تحسن في مبيعاته بشكل مباشر، ولكن انخفضت أرباحه ووصلت ل٥٪ فقط. بعد فترة اتضح لرابح أن مبيعاته توقفت عن النمو نتيجة أن أغلب المطاعم في سوق الوهقه قامت بالتخفيض والدخول في الحملة. فتفاجأ رابح بأن مكان مطعمه في السوق أصبح غير واضح للعملاء حيث إن هناك مئات المطاعم تم افتتاحها من مدخل السوق حتى مطعمه ولذلك أشارت إليه إدارة السوق بالإضافة للتخفيضات أن يقوم بنقل محله الى مقدمة السوق بجانب المدخل مقابل رسوم يدفعها. وافق رابح مجبراَ لتفادي الخسارة.
بعد انتقال مطعم رابح لمقدمة السوق ووجود شعار مطعمه في واجهة السوق عادت المبيعات للنمو واستبشر خيراً. بعد شهر من ذلك، اتضح أن المطعم يسجل مبيعات جيدة، ولكنه يدفع لسوق الوهقه ٤٥٪ من قيمة مبيعاته وبالتالي سجل خسارة ١٠٪ في ذلك الشهر. لتدارك الموقف اضطر رابح لإغلاق مقره الرئيسي في الطريق التجاري حيث إنه بالكاد يحقق أية مبيعات فقد توجه العملاء لسوق الوهقه، وقام بإنهاء عقود موظفيه وشطب وظائفهم. وبعد مراجعة النموذج المالي على هذه المستجدات قام برفع الأسعار ليتفادى الخسارة وليس لتعظيم الأرباح. لاحظ رابح بعد ذلك أن نتائجه تحسنت وأصبح يحقق نقطة تعادل. في الشهر التالي، تواصلت معه إدارة السوق وأبلغته أن المحلات في مقدمة السوق أصبحت حكراَ لكبار العملاء ولذلك يجب أن يعود لمحله السابق. أصبح الموقع بعد ذلك كمدينة أشباح خالي من العملاء فهو على بعد آلاف المطاعم من مدخل السوق ولم يرتاد محله إلا بعض العملاء ذوي الولاء لمطعمه. بعد فترة قصيرة سجل المطعم خسارة قدرها ٢٠٪! وبدأ في الدخول بأزمة مالية وصلت لعجز سداد الأجور ومستحقات الموظفين.
حاول رابح التواصل مع إدارة السوق لبحث خيارات أخرى دون جدوى، فلم تعد تستجيب له إدارة السوق وتنظر لمطعمه، فالسوق أصبح يشمل ٣٠ ألف مطعم وفي تزايد. لتفادي تراكم الخسائر، اضطر رابح لإغلاق مطعمه في سوق الوهقه وتسريح موظفيه وتصفية الشركة، دخل رابح مرحلة من الإحباط ، فقد عمل دراسة جدوى متميزة وكل ما يلزم قبل افتتاح محله وحقق نجاحا باهرَا وتقييمات عالية ولم يكن في الحسبان هذا التغير الهيكلي في السوق. عمل رابح بعد ذلك دراسة بسيطة نتج عنها النتيجة التالية: أولاً، جميع المطاعم من رواد الأعمال التي تشارك في سوق الوهقه تضطر عاجلا أم آجلا لإغلاق نشاطها ويتم استبدالها بأضعاف عددها بأخرى جديدة. ثانياَ، اتضح له أن سلاسل المطاعم العالمية انخفضت ربحيتها بسبب سوق الوهقه ولكن لازالت تحقق مبيعات جيدة لدعم سوق الوهقة لهم ككبار عملاء. ثالثاً، تضخمت أسعار المطاعم ٤٠٪ تقريباً خلال سنوات قليلة نتيجة لممارسات سوق الوهقه ونموجه الذي سيطر على القطاع بالكامل، بعد عمل تلك الدراسة، قرر رابح حضور حفل تكريم سوق الوهقه كأفضل الشركات نموا في العالم العربي وكان أول الحاضرين مصفقاً لتلك العبقرية التي أصبحت تدير جميع مطاعم المملكة!
خاص_الفابيتا
سرد جيد للتجربة ومفيدة، مع إني أشوف السوق ما قصر مع صاحبك، واضح زيادة في المبيعات في كل مرة، أشوف الخلل يمكن في صاحبك أكثر من السوق.. هذا اللي فهمته.
لو كان السوق ما قصر معه ماكان اسمه ( سوق الوهقه ) هههههه...
المطعم الجيد والمتميز والذي يقدم وجبات لذيذة ومتميزة لا يخسر أبداً مهما كانت الظروف ولدينا تجارب لمثل هذه المطاعم في كثير من مدن المملكة ومنها مدينة الرياض التي كل يوم يظهر فيها براند جديد ومع ذلك لا زالت الناس تزور هذه المطاعم المتميزة او تطلب منها ولو طالت المسافة، وخصوصاً عندما يكون صاحب المطعم متواجداً فيه او مشرف عليه
مقال أكثر من رائع ويُشكر الكاتب على هذا السرد المختصر الجميل.. وفعلا يجب الالتفات لمعاناة صغار التجار وتمكينهم حيث انهم هم العمود الفقري للاقتصاد.
مقال رائع وجهد مشكور