تنشر منظمة كوسو COSO أوراق عمل بشكل منتظم عن المخاطر والرقابة، وترسم خطوطا واضحة في العلاقات مع أدوات التخطيط الاستراتيجية ومع مؤشرات الأداء، ففي عالم يتسم بالتقلبات السريعة وانتشار عدم اليقين والتعقيد التقني المتزايد، فليس أمام الشركات والمؤسسات، بل حتى الأشخاص إلا الاستجابة والحل عند كوسو هو أن تكون "رشيق الحركة"، فلم تعد الإجراءات الطويلة والتفكير المتأني الطويل التراخي في القرار ولا أقدام الفيلة تسهم في مواجهة التقلبات والتغيرات المتسارعة، الخطط الاستراتيجية التي استغرق إعدادها أعواما أصبحت اليوم عبئا أكثر منها فائدة، فالعالم الذي يمكن أن تندلع فيه الحروب والأزمات في أي لحظة لن ينتظر أحدا، والأوبئة التي يمكن أن توقف حركة الاقتصاد العالمي في أي يوم كفيلة بجعل أي خطة استراتيجية في سلة المهملات، الحديث اليوم هو عن الحركة الرشيقة، وهي القدرة على تغيير الخطط والاستجابة للواقع، وتغيير المؤشرات والمحافظة على الأهداف التي تستحق فقط، لقد تغيرت الأمور. والأمثلة على ذلك موجودة في كل مكان، فمثلا -وفقا لتقرير نشرته كوسو- فإن أحد المديرين التنفيذيين في إحدى شركات Fortune 100 قام بتغيير شعار الشركة إلى "أسرع وأقوى وأفضل"، وأعلن أحد كبار المسؤولين الاستراتيجيين في إحدى الشركات، "لقد تخلينا عن محاولة التنبؤ بالمستقبل.
نريد فقط أن نكون رشيقين"، بل إن رئيسا تنفيذيا لمؤسسة غير ربحية يرى ضرورة التركيز على السرعة والقدرة على التكيف وتحمل المخاطر. لقد كانت تجربة الوباء، والتقلبات المناخية الصارخة وما يمكن أن تتسبب به الأمطار من فيضانات غير متوقعة وغير مسبوقة ومفاجئة، وتسارع التقلبات السياسية التي تتحول فجأة إلى حرب، مع تزايد الإجراءات البيئية والاجتماعية والحوكمة فليس من المستغرب أن تبحث الشركات عن طرق للتحسين والتكيف وتصبح أكثر مرونة أثناء بحثها أيضا عن الوضع الطبيعي الجديد، والممكن الرئيس اليوم هو المهارات الاستباقية الجديدة للمخاطر ومهارات جديدة في المرونة والقدرة على التكيف. بالنسبة للمسؤولين عن فهم المخاطر وإدارتها -بما في ذلك أصحاب الأعمال وإدارة مخاطر المؤسسات والمراجعة الداخلية والقيادة العليا ومجالس الإدارة- فإن الوضع الطبيعي الجديد هو إعادة التفكير في متى وكيف وأين يتم تطبيق التفكير الاستراتيجي للمخاطر.
في هذه الرحلة فإن المخاطر هي أفضل قبطان يقود السفن، فوفقا لكوسو فإن الإدارة السليمة للمخاطر يمكن أن تساعد في جعل الممارسات الرشيقة أكثر نجاحا، وعندما تتبنى الشركات ممارسات رشيقة، فإنها تقوم إذا لزم الأمر بتغيير الثقافة وإعادة النظر في السياق الاستراتيجي الجديد ومحاولة التركيز على سياق متغير، قد تقوم الشركات التي تمارس الأساليب الرشيقة بإعادة تقييم الاستراتيجية المحددة، لأن بيئتها وسياقها يتغيران بسرعة كبيرة. في أوقات أخرى، يتحركون بشكل أسرع ويحتاجون إلى إدارة المخاطر ولكنهم أيضا ينظرون إلى الهدف والمخاطر معا، في بعض الحالات، وهم يتعاملون مع التغييرات والمستجدات السريعة، فإنهم يتخذون قرارات يعلمون أنها تنتج مخاطر جديدة، ولا بد -بشكل متزامن- تحديدها وتقييمها وترتيب أولوياتها وإدارتها. فإدارة المخاطر المؤسسية هي اليوم ذات قيمة كبيرة لأنها توفر صورة كاملة للمكونات والمبادئ والأساليب التي يجب تطبيقها على المخاطر عند اعتماد الممارسات الرشيقة.
الممارسات الرشيقة Agile practices تسمح للفرق بالعمل بشكل أسرع بكثير، والقضاء على العمل منخفض القيمة، وحل المشكلات بشكل أفضل من النهج الهرمي التقليدي، حيث تكون عملية صنع القرار أطول، والموضوع هنا أكثر من مجرد اعتماد الإدارة على تكنولوجيا المعلومات، بل بتبني عقلية رشيقة وتغيير الثقافة، وهذا يجب أن يصل إلى نظرتنا للحوكمة، فكثير من الأساليب القائمة على اللجان التي لا تجتمع إلا مرة كل ثلاثة أشهر، ولو تم الادعاء أنها تجتمع عند الضرورة، قد لا يكون ملهما في الممارسات الرشيقة، ولا تستطيع إدارة المخاطر التعامل مع أساليب إدارية بهذا الشكل، فالقرار يجب أن يتم اتخاذه بسرعة ومرونة، وهذه اللجان -في معظم الأحيان- لا تفرق بين العمل التنفيذي والعمل الاستشاري، فيصبح القرار محل نقاشات طويلة وقد لا يتم اتخاذه، هنا يجب أن يصنف "كما في تقرير كوسو عن المخاطر في الإدارة الرشيقة" دور أعضاء مجلس الإدارة بالدور الحاسم في مساعدة المؤسسات على رؤية وفهم ضرورة وأهمية الأساليب الاستراتيجية والتنظيمية الجديدة والمخاطر ذات الصلة، ومن المهم أن يتماشوا مع التغيير والجهود الرشيقة، وقد يتطلب ذلك قبولا واسع النطاق وتغييرا في الثقافة، وقد يتطلب حتى أن تتبنى وحدات الأعمال ممارسات سريعة.
عندما تقوم أطراف خارجية وكبار القادة وغيرهم بدفع أساليب الرشاقة، فإن الخطوة الأولى هي التركيز على وظيفة إدارة المخاطر المؤسسية التي تشجع الحوار حول الأسئلة/ الدروس/ الممارسات الرشيقة، الحوار الذي يناقش العلاقة القائمة بين مجلس الإدارة واللجان المنبثقة منه من جانب والمديرين التنفيذيين من جانب آخر، ويتركز هذا الحوار على معالجة التوافق بين بيئة الأعمال والتشغيل والاستراتيجية الحالية، ويشمل ذلك تقييما للبيئة التي تعمل فيها المنظمة، ويتضمن أحد أساليب تقييم البيئة تحديد مستوى عدم اليقين حول نموذج الأعمال الحالي على مقياس يراوح من "سهل التحديد" إلى "غير قابل للتحديد على الإطلاق"، مثل هذا الحوار قد يقود إلى دراسة احتمالية نجاح التوجه الاستراتيجي للتخطيط والتنفيذ إذا كان المستقبل غير واضح، وبه معدل مرتفع من التغيير والمخاطر. يمكن أن تؤدي نتائج تقييم البيئة إلى تغيير الاستراتيجية لتصبح أكثر مرونة، لكن يجب ألا يكون هذا بعد فوات الأوان، لأن المخاطر تكون قد وصلت إلى حدود مدمرة.
نقلا عن الاقتصادية