الحِمل الذروي وخيارات التوليد

13/11/2023 8
د. إبراهيم بن محمود بابللي

هذه هي المقالة الرابعة في سلسلة مقالات المزيج الاقتصادي للطاقة، وتهدف هذه المقالة إلى لفت الانتباه إلى حقيقة أن أحد حلول تحديات الحِمل الذروي توفره لنا الشمس، عندما بدأت عملي في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية عام 1988، قمت بزيارة القرية الشمسية في العيينة وتعرفت عن كثب على كيفية توليد الطاقة من الشعاع الشمسي وعلى الاستخدامات الممكنة للطاقة الشمسية. تُولّدُ الطاقة من الشعاع الشمسي عن طريقين: إما باستغلال حرارته، عن طريق تركيز الشعاع الشمسي، وإما باستخدام الخاصية الكهروضوئية في بعض المواد، والتي ينتج عنها تحويل جسيمات الضوء إلى كهرباء. وتزداد قوة الشعاع الشمسي في الصيف فينتج عنه ارتفاع في درجات الحرارة، مما يتسبب في ارتفاع مماثل في الطلب على الكهرباء بسبب الحاجة للتكييف والتبريد.

أنظر أيها القارئ الكريم إلى منحنى الطلب على الكهرباء في المملكة، ومنحنى تغير الشعاع الشمسي، في الشكل التالي:

 

 

ومنذ بدأت البحث في الطاقة الشمسية ودراستها، كان السؤال التالي يخطر دائما ببالي: لماذا لا نستغل الارتفاع الكبير للشعاع الشمسي في الصيف لتوليد كمية أكبر من الطاقة باستخدام تقنيات الطاقة الشمسية؟ الجواب الذي سمعته دائما، من الخبراء والاستشاريين، أن هذا غير ممكن، لأن الخلايا الشمسية المستخدمة في الألواح الكهروضوئية تعاني من خاصية فيزيائية تسمى "معامل الحرارة السلبي" يتسبب في انخفاض كمية الطاقة المنتجة كلما ارتفعت درجة الحرارة. 

وماذا عن الطاقة الشمسية الحرارية؟ هذا النوع من الطاقة الشمسية يُوَلَّدُ بتركيز ضوء الشمس عن طريق عدسات أو مرايا خاصة لرفع درجة حرارة شعاع الشمس الساقط على سطح مبادل حراري، لتوليد الطاقة بعدها باستخدام التوربينات البخارية. طرحت السؤال نفسه على الخبراء والاستشاريين، وهو: لماذا لا نستغل الارتفاع الكبير للشعاع الشمسي في الصيف لتوليد كمية أكبر من الطاقة باستخدام الطاقة الشمسية الحرارية؟ فلم أجد عندهم جوابا. 

الواقع هو أن استخدام الطاقة الشمسية الحرارية في توليد الكهرباء لا يتأثر بأي معامل حرارة سلبي، فكلما زادت قوة الشعاع الشمسي المتعامد (Direct Normal Incidence) زادت كمية الطاقة التي يمكن توليدها من محطات الطاقة الشمسية الحرارية، دون أية زيادة في الطاقة المركبة لهذه المحطات. إن طبيعة عمل هذه المحطات تجعلها مواكبة لتغير قوة الشعاع الشمسي، فتنخفض كمية الطاقة المولدة منها شتاء، عندما يقل الطلب على الكهرباء، وتزداد كمية الطاقة المولدة منها صيفا، عندما يزيد الطلب على الكهرباء، بشكل طبيعي. 

إذا كان هذا الطرح صحيحا، فلماذا لم نسمع به أو نراه مطبقا في أماكن أخرى في العالم؟ هناك ثلاثة أسباب تشرح عدم تطبيق هذه الفكرة:

     1 - الطاقة الشمسية الحرارية أكثر تكلفة من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، إذا اقتصرت المحطات – بنوعيها – على توليد الطاقة دون تخزين. ولهذا ارتبطت الحلول المقترحة لاستخدام الطاقة الشمسية الحرارية بتخزين الطاقة بشكل رئيس، لأنها أرخص تكلفة من الطاقة الشمسية الكهروضوئية مع التخزين بالبطاريات. 
      2 - تطوير تقنيات الطاقة الشمسية الحرارية بدأ في دول لا تعاني من ارتفاع كبير في الحمل الذروي صيفا، مثل إسبانيا، فلم تكن فكرة استخدام الطاقة الشمسية الحرارية لمواكبة التغير في الإشعاع الشمسي مطروحة، لانتفاء الحاجة إليها.
      3 - الدول التي تواجه تحديات الحمل الذروي الصيفي، والتي يمكن لها الاستفادة من محطات الطاقة الشمسية الحرارية في مواكبة الطلب على الكهرباء، صعودا ونزولا، ليست دولا مطورة للتقنية الشمسية، بل مستهلكة لها.

إن المملكة العربية السعودية تتمتع بمصدر شمسي مميز، وهي إحدى أفضل دول العالم في قوة الإشعاع الشمسي المتعامد. ولدينا فرصة مميزة لإيجاد حلول لتحديات الحمل الذروي ملائمة لنا ولظروفنا البيئية والمناخية، دون الحاجة لاستثمار في محطات لا تعمل إلا ساعات محدودة في السنة.  

 
 
 
 
 
خاص_الفابيتا