قمم السودة وفرص النجاح المستقبلية

02/10/2023 0
د. محمد آل عباس

كأحد أبناء منطقة عسير أثمن للقيادة اهتمامها البالغ بمنطقة عسير الذي توج بمشروع "قمم السودة" الجبار الذي جاء في وقته المناسب الذي يحقق كثيرا من التطلعات بشأن كفاءة استخدام وتوجيه الموارد السياحية في المنطقة وفق رؤية واضحة ومنتجات ملموسة عالمية الصبغة، هذا المشروع الجبار يجد جذوره في استراتيجية تطوير منطقة عسير التي عندما أطلقها الأمير محمد بن سلمان 2021 تحت شعار "قمم وشيم" من أجل تحقيق نهضة تنموية شاملة وغير مسبوقة للمنطقة قام بضخ 50 مليار ريال عبر استثمارات متنوعة، وتحويل المنطقة إلى وجهة سياحية عالمية طوال العام، تستقطب أكثر من عشرة ملايين زائر داخل المملكة وخارجها بحلول 2030، وذلك باستغلال المقومات السياحية الهائلة في المنطقة التي ستستثمر من خلال مشاريع سياحية نوعية، لإبراز قممها الشامخة إلى جانب التنوع الجغرافي والطبيعي فيها، وكشف الثراء الثقافي والتراثي لها. يأتي مشروع قمم السودة كخطة تنفيذية للخطة الشاملة، مع تركيز الاهتمام في مناطق الجذب السياحي، وهي السودة وأجزاء من رجال ألمع، فالمشروع يستمد اسمه من المكان ومن معاني السياحة الجبلية الفاخرة، حيث يقع على ارتفاع يصل إلى 3015 مترا عن سطح البحر.

لقد ناقشت في مقالات عدة منذ أعوام مشكلة اقتصاد منطقة عسير، وقلت حينها إن سرعة دخول المنطقة في معترك المنافسة على قطاع السياحة دون وجود صناعة متكاملة ووعي كاف بها، خاصة مع تدفق السياح من جميع ربوع الوطن والخليج العربي، مع موضوعات أخرى كثيرة، أسهمت في عدم استيعاب، وهنا أعيد ما سبق أن تحدثت عنه من مشكلة النقلة الحضارية والاقتصادية التي انطلقت في المنطقة خاصة مع تكامل منظومة النقل البري والجوي من وإلى المنطقة وتدفق السياح لدرجة أن المنطقة لم يتوافر بها بالقدر الكافي الإيواء الكافي ولا حتى المطاعم ومناطق التسوق، لذا تركزت حركة السياحة على المتنزهات، ولم تجد الحكومة بدا من فتح المتنزهات للسياح والسماح لهم بإقامة المخيمات فيها، ما تسبب لاحقا في مشكلات جمة، لم تتحول السياحة إلى صناعة في المنطقة لمشكلات تعلقت بالتعليم والثقافة العامة، فمثلا لم يتم فتح أقسام المحاسبة وإدارة الأعمال إلا بعد فترة طويلة فضلا عن تأخر كبير لتخصصات مثل الإعلام والحاسب الآلي، لم تكن هناك فرصة كافية للاستفادة من الحركة السياحية لبناء صناعة، رغم كل الجهود الجبارة التي بذلها الأمير خالد الفيصل آنذاك، الذي تبنى عديدا من الأفكار الضخمة مثل إنشاء مركز للمؤتمرات الدولية في منطقة السودة مع فندق سياحي عالمي، ثم تطوير المناطق السياحية لتوفير فرص للرياضات الجبلية، ثم إنشاء الشركة السياحية التي عملت على إنشاء مرافق عالمية ومنطقة للمعرض والتلفريك وتطوير القرى الأثرية، بل وصل الأمر إلى إنشاء كلية للسياحة.

مع توفير فندق عالمي ومنتجع، لكن مع كل هذه الجهود فإن المنطقة "كمجتمع اقتصادي" لم تستطع اللحاق بفكر الأمير خالد الفيصل ومواكبة التطور من خلال إحداث نقلة اجتماعية واقتصادية شاملة، فقد بقيت مراكز الإيواء محصورة في شقق لا يمكن عدها فندقية بأي حال، وبقيت الأسواق كما هي شعبية بسيطة موسمية، والترفيه لم يجد له عنوانا في المنطقة، لقد كانت المشكلة واضحة وضوح الشمس، فلا يمكن بناء منظومة سياحية بمعزل عن خطة استراتيجية تنموية للمنطقة بأسرها ينخرط فيها الجميع، لكن أين الطريق؟لقد كانت رؤية السعودية 2030 ملهمة للجميع، وقيادة الأمير محمد بن سلمان منحت القوة للفريق، فظهرت هيئة تطوير منطقة عسير إلى الساحة، بقيادة الأمير تركي بن طلال، فبمتابعة توجيهات الأمير محمد بن سلمان تم إطلاق الخطة الاستراتيجية لمنطقة عسير "قمم وشيم"، لقد بدأ العلاج من الجذر فعلا، لقد كان تنظيم هيئات المدن واضحا في اختصاصات الهيئة في المادة الرابعة الفقرة الـ"4" وأقر حقها في مراجعة خطط التنمية والبرامج والمشاريع ذات الصلة بعمل الهيئة التي تعدها الأجهزة الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة والجمعيات والمؤسسات الأهلية، بما يضمن تحقيق التنمية المتوازنة في المنطقة، وإقرارها. لأول مرة يجب أن ينسق الجميع مع الخطة الاستراتيجية للمنطقة، وعلى سبيل المثال، أطلقت جامعة الملك خالد خطتها الاستراتيجية قبل عدة أشهر التي أتت متوائمة مع خطة المنطقة، واليوم تأتي شركة السودة للتطوير وهي إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة، التي تعمل على تطوير وجهة جبلية سياحية فاخرة في السودة وأجزاء من رجال ألمع، تأتي في الوقت الصحيح، فهي منسجمة جدا مع تطوير المنطقة ومع خطط الجامعة، ما يمنح المنطقة فرصة تاريخية لتحقيق قفزة نوعية في اقتصادها وتحقيق مفهوم صناعة السياحة الذي طالما تغنت به.

رغم كل هذه الممكنات الأساسية التي تتواكب مع إطلاق مشروع قمم السودة فإن المشروع بذاته يحمل مقومات كبيرة، فالمشروع سيقدم مفاهيم جديدة للفندقة الجبلية التي تختلف عن الفندقة البحرية التي نشاهد نماذجها الابتكارية اليوم في مشروع البحر الأحمر، ما يمنح المنطقة فرصة للفوز بحصة تقدر بمليوني سائح سنويا، والآلاف من الفرص الوظيفية مع زيادة الإسهام في الناتج المحلي بأكثر من 29 مليار ريال. ومن المتوقع أن تكتمل أولى مراحله في 2027، حيث تتضمن المرحلة الأولى تطوير 940 غرفة فندقية و391 وحدة سكنية و32 ألف متر مربع من المساحات التجارية.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية