ثم ظهرت البطاقـات

10/08/2023 0
فهد عامر الأحمدي

قبل اختراع النقود الورقية، كان البشر يعتمدون على تبادل السلع والمنافع. كان من يملك قمحا يبادله بالبر أو الشعير، ومن يملك تمرا يبادله بالسمن أو العسل، ومن يملك بقرة تدر الحليب، يمكنه مقايضتها بمنزل صغير ـ وهناك حديث للرسول خص فيه ستة أصناف تستعمل كأموال يتداول بها الناس، هي: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، وقبل ميلاد المسيح بألف عام، اخترع الصينيون الأوراق النقدية دون سابق تخطيط. فقد كان التجار يضعون عملاتهم الذهبية كأمانة لدى "شيخ التجار" ويستلمون مقابلها سندا بالملكية. وبمرور الوقت أصبحوا يتداولون هذه السندات كنقود، دون الحاجة لاسترجاع الذهب أو حملها معهم أثناء السفر. وبمرور الوقت نسي الناس أمر الذهب لدى شيخ التجار "الذي استبدل لاحقا بالبنوك المركزية" وبدأت الدول تطبع نقودها اعتمادا على ثقة الناس بها فقط. وهكذا تم إلغاء ما يسمى بـ"قاعدة الذهب" وإزالة العبارة الشهيرة التي كانت تطبع على العملات الورقة "تتعهد الدولة بصرف ما يعادل هذه الورقة من الذهب".

وفي عشرينيات القرن الماضي، ظهرت بطاقات الدفع البلاستيكية كثاني أهم اختراع للدفع وتداول المنافع، ظهرت في البداية "ككروت ورقية" تتضمن رصيدا مسبقا لشراء الوقود في أمريكا، ثـم بدأت المتاجـر الكبيرة بإصدار كروت خاصة بهـا تتضمن مزايا ونقاط وتخفيضات مغرية، وفي 1958 أصدرت شركة أمريكان إكسبريس أول بطاقة شاملة تتضمن رصيدا يمكن الشراء به من جميع المتاجر. وحين حققت الفكرة نجاحا كبيرا أصدر بنك أمريكا بطاقة عالمية منافسة نعرفها اليوم باسم VISA، وبعد أن كانت البطاقات الائتمانية حكرا على الأثرياء أصبح امتلاكها متاحا للجميع، ووصل عددها اليوم إلى ملياري بطاقة حول العالم "وبمتوسط ثلاث بطاقات لكل مواطن في أمريكا". ورغـم تسببها بتراكم القروض الشخصية، إلا أنها أصبحت مفضلة على النقود الورقية بسبب أمانهـا، وسهولة حملها، والشراء بها عبر الإنترنت، وقبولها في أي دولة "وجميعها مزايا لا تملكها الأوراق النقدية".

واليوم أرى أن البطاقات البلاستيكية "ولا أقول الائتمانية" تعيش آخر أيامها، بفضل التطور السريع لتقنيات الدفع المالية ـ خصوصا بعد كورونا، إذ أصبحـنا اليوم قادرين على الدفع بطرق رقمية أكثر سرعة وتطورا، وغدا بإمكاننا الولوج إلى أرصدتنا البنكية "ليس فقط من خلال هواتفنا الجوالة" بل من خلال بصماتنا الحيوية كالأصبع والعين والصوت وملامح الوجه دون الحاجة لحمل أي شيء آخر، بكلام آخر، أصبحت أجسادنا اليوم لا توزن بالكيلوجرامات، بل بـالحسابات الرقمية التي تعادلها في البنك.

 

 

نقلا عن الاقتصادية