هل نجحت شركات «اشتر الآن وادفع لاحقا»؟

31/12/2023 2
د. فهد الحويماني

قبل أكثر من عامين كتبت عن شركات ما يعرف بالشراء الآن والدفع لاحقا، وتحدثت عن فرص نجاحها وما تواجهه من تحديات، وتوقعت حينها أن تحظى هذه الشركات بنجاح كبير في المملكة لعدة أسباب، ذكرت منها ضعف جاذبية البطاقات الائتمانية في المملكة وارتفاع تكلفتها وصعوبة الحصول عليها من قبل بعض المستهلكين، فيأتي أسلوب الدفع اللاحق بديلا لها، كذلك القبول بأسلوب الدفع لاحقا عطفا على الثقافة المحلية، كما يشاهد بشكل مصغر في دفاتر المديونيات في محال التموينات، إلى جانب عدم وجود فائدة مالية على العميل في هذا الأسلوب الجديد، ما يعني انتفاء وجود الربا في هذه التعاملات. رغم ذلك، تضاربت الآراء الشرعية حول شرعية هذا النوع من الخدمات، فرأى البعض أن وجود رسوم مالية على العميل الذي يتأخر في سداد الأقساط يؤدي إلى عدم شرعية المنتج، حتى إن كانت نية العميل السداد في الوقت المحدد، كون وجود إمكانية فرض الرسوم في العقد تجعله منتجا ربويا، لتفادي هذه الإشكالية، قامت هذا الشهر شركتا "الشراء الآن والدفع لاحقا" العاملتان في المملكة، تمارا وتابي، بإلغاء رسوم التأخير عن عملائهما في المملكة، لذا من المتوقع ازدياد نجاح هذا النوع من الشركات، الذي انطلق في 2012 من قبل شركة أفيرم الأمريكية، وفي 2014 من قبل شركة أفتر باي الأسترالية، كأسلوب جديد من أساليب الاقتراض، لكن بقلب العملية حيث تستقطع تكلفة الاقتراض من التجار وليس من العملاء.

ارتفعت المخاوف في 2022 من احتمال فشل أسلوب الدفع لاحقا نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة بشكل غير مسبوق، وكون ذلك يؤثر سلبا في هذه الشركات التي تحتاج إلى رأسمال عال لتتمكن من تقديم الخدمة، حيث إن ما يحدث هو أن تقوم الشركة بالسداد السريع للتجار وانتظار وصول أقساط العميل التي تمتد إلى عدة أشهر، ولذا تدهور سعر شركة أفيرم من قمته في نوفمبر 2021 بسعر 177 دولارا إلى أقل من تسعة دولارات بنهاية 2022. وقبل ارتفاع أسعار الفائدة تم الاستحواذ على الشركة الأسترالية أفتر باي من قبل شركة المدفوعات الأمريكية سكوير بمبلغ 29 مليار دولار، وبعد انهيار "أفيرم" عدت صفقة الاستحواذ على "أفتر باي" من الصفقات الفاشلة، لكن عدة تطورات في 2023 أدت إلى تغير النظرة تجاه شركات الدفع اللاحق وارتفاع أعداد عملائها في أمريكا وأستراليا والسويد وحتى هنا في المملكة، من أهم تلك التطورات ما حدث في مارس 2023 حين أعلنت شركة أبل دخولها إلى مجال الشراء الآن والدفع لاحقا، وكانت وقتها تعد ضربة قاضية للشركات العاملة في المجال، بسبب قوة شركة أبل وقاعدتها المهولة من العملاء، إلى جانب توافر رأس المال لدى الشركة، التي بالمناسبة لديها حاليا أكثر من 120 مليار دولار بين نقدية وحسابات مستحقة، إلا أن الذي حصل هو أن دخول "أبل" زاد من جدوى عمل هذه الشركات وجاذبيتها وأضفى عليها مزيدا من المصداقية.

التطور الآخر اللافت في مجال الدفع اللاحق تحقق الشهر الماضي حين أدرجت شركة أمازون خدمة "أفيرم" لعملاء "أمازون" ومن ثم في مطلع ديسمبر كشفت مبيعات ما يعرف بعطلة الجمعة السوداء عن تحقيق مبيعات غير متوقعة عن طريق أسلوب الدفع اللاحق لدى كثير من الشركات، وتبع ذلك القيام بالتوسع في الاتفاقية بين "أفيرم" وشركة وول مارت، حيث أصبح بإمكان عملاء "وول مارت" الدفع عن طريق "أفيرم" في متاجر "وول مارت" المكانية، وليس فقط الإلكترونية، على الصعيد المحلي مثل هذه التطورات كانت تتحقق على أرض الواقع من قبل شركتي تمارا وتابي اللتين قامتا بالحصول على تمويلات ضخمة وانتشار ملاحظ مع تزايد القبول بأسلوب عملهما وشرعيته في الفترة الأخيرة، ولذا تم الإعلان قبل أيام عن تجاوز تقييم شركة تمارا، التي تنوي طرح أسهمها في السوق المالية قريبا، مبلغ مليار دولار، بعد أن حصلت الشركة على تمويل من بنك جولدمان ساكس بمبلغ 1.3 مليار ريال.

النجاح المستقبلي لشركات الدفع اللاحق يعتمد على استمرار جاذبية هذا الأسلوب الجديد للدفع، الذي تميل إليه فئات عمرية متعددة معظمها من الشباب ممن يجد فائدة في تأجيل الدفع على أقساط لأشهر قليلة، وكذلك سيعتمد نجاح الشركات على مستويات الفائدة التي في ارتفاعها ضرر مباشر على ربحية هذه الشركات. من جهة أخرى هناك بالطبع المنافسة الشرسة من قبل شركات أخرى وبنوك ومؤسسات مالية وأي جهة لديها ما يكفي من رأس المال لتقديم الخدمة من أجل تحقيق عوائد أعلى من أساليب التمويل التقليدية.

من جهة أخرى، لا تخلو هذه الشركات من الانتقاد، كونها في نهاية الأمر تشجع وتعين على الاقتراض والصرف بأعلى من طاقة العميل في بعض الأحيان، لذا فهي لا تختلف عن البطاقات الائتمانية في حثها على الصرف الفوري وتأجيل معاناة الدفع إلى وقت لاحق، مع وجود اختلافين مهمين بين الطريقتين، أولا في محدودية مبالغ الشراء في أساليب الدفع اللاحق، وفي انتفاء شبهة الربا بعد إلغاء رسوم التأخير من أسلوب الدفع اللاحق في المملكة.

 

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية