الأرقام الإلكترونية ونصاب الزكاة

18/06/2023 0
د. محمد آل عباس

العلاقات بين النقد والذهب لم تعد علاقة مباشرة، أي إن النقد المطبوع ليس انعكاسا لكمية الذهب الموجود، ومع التطورات التقنية الأخيرة لم يعد النقد يعكس كمية الورق المطبوع، بل أصبح أرقاما إلكترونية في الشاشات، تعكس كميات يصعب ترجمتها اقتصاديا إلا كونها مجرد وسيلة للتبادل، وقد تزيد وتنقص قيمتها كل يوم وليلة، فقد تستطيع شراء كيلو من أي سلعة بـ 100 ريال مثالا، ثم تعود لتشتريها غدا وقد أصبحت بـ101 ريال، والأمر صحيح بالنسبة للذهب فقد تستطيع شراء جرام الذهب اليوم بسعر 200 ريال وغدا يكون بسعر 220 ريالا، فهل تتأثر الزكاة بذلك التغير؟ الإجابة نعم، ولا شك، فالزكاة في الإسلام تعادل 2.5 في المائة من وعاء الزكاة الفائض عن الحاجة إذا بلغ نصابا، والنصاب في الإسلام من الذهب يساوي 20 مثقالا، ومن الفضة 140 مثقالا، فلا يمكن حساب الزكاة إلا من خلال حساب قيمة الذهب والفضة، وبما أنه لا أحد اليوم يملك أموالا ذهبا أو فضة كما في الماضي، بل هناك أرقام إلكترونية فقط فإن على كل منا أن يحول ما لديه من أرقام إلى ما يعادلها من الذهب والفضة، لكن كلمة يعادلها هنا كلمة مضللة، تماما فلا الأرقام معادلة للذهب ولا الفضة، بل هي مجرد أرقام تعبر عن القدرة الشرائية فقط، وإذا كنا نريد أن نحدد مقدار النصاب الواجب فيه الزكاة من تلك القوة الشرائية، فإنه يجب علينا أن نحدد القيمة الاستبدالية لها، أي إذا أردت أن أستبدل الأرقام بالذهب فكم مقدار الذهب الذي سأحصل عليه.

لما بعث النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فرض زكاة الأموال فجعل في كل خمس أواق من الفضة الخالصة التي لم تغش خمسة دراهم وفرض في كل 20 دينارا من الذهب نصف دينار، فالرسول وضع الزكاة على عدد الدراهم وعدد الدنانير، وفي عهد عمر جعل كل عشرة دراهم ستة مثاقيل، ويقال إن عمر بن الخطاب رضى الله عنه صغر الدرهم طلبا للإحسان إلى الرعية في الخراج وجاء معاوية رضى الله عنه فجعل وزنها سبعة مثاقيل، ولما ولي عبدالملك بن مروان كان هناك نوعان من الدراهم الفضية، وهي الدراهم السود العظام، والدرهم الطبرية الصغار وقد لاحظ أنه إن جعل الزكاة والخراج على مثال السود العظام 200 عدد يكون قد نقص من الزكاة، وإن عملها كلها على مثال الطبرية وهي صغار، إذا بلغت 200 عدد وجبت الزكاة فيها، فإن فيه حيفا على أرباب الأموال فاتخذ منزلة بين منزلتين، يجمع فيها كمال الزكاة من غير بخس ولا إضرار بالناس مع موافقة ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده من ذلك.

وكان الناس قبل عبد الملك يؤدون زكاة أموالهم شطرين، من الكبار والصغار، فلما اجتمعوا مع عبدالملك على ما عزم عليه، عهد إلى درهم واف فوزنه فإذا هو ثمانية دوانيق، وإلى درهم من الصغار فإذا هو أربعة دوانيق، فجمعهما وكمل وزن الأكبر على نقص الأصغر وجعلهما درهمين متساويين زنة كل منهما ستة دوانيق، هل يفهم من هذه النص السابق الذي أورده المقريزي في كتابه عن النقود في الإسلام، أن حجم الفضة عند سكها يؤثر في وعاء الزكاة، ومع الانفصال التام بين الأرقام الإلكترونية التي تمثل القوة الشرائية وبين الذهب والفضة اليوم، فإن تغير وعاء الزكاة أصبح اليوم يعود لتغير القوة الشرائية، ولأن القوة الشرائية تتقلب بين يوم وليلة فإن كثيرا من المجتمع قد يصبح غير مكلف بالزكاة نظرا لأنه لم يعد يملك ما يعادل النصاب.

لكن متى يتم احتساب ذلك، فإذا تم الإقرار بالنصاب في لحظة معينة من خلال مقارنة الأسعار "سعر الذهب والفضة" فهل تلك اللحظة كافية لتحديد التكليف بالزكاة، بمعنى أن الشخص قد يكون لديه نصاب اليوم، لكن قد ترتفع الأسعار غدا ويصبح غير مكلف بها، وإذا قلنا إن ذلك يتم في اللحظة التي يتم فيها إتمام الحول، فمتى يتم احتساب الحول، هل من وقت امتلاك الأرقام في الحسابات، أم من لحظة بلوغها النصاب نظرا لتغير القوة الشرائية، وإذا تغيرت القوة الشرائية في وسط العام فهل يعاد حساب الحول من تلك اللحظة؟ كلها أسئلة تجعلنا نعيد الدراسة بشأن نصاب الزكاة، خاصة أن هيئة الزكاة والضريبة والجمارك تقوم بحساب الزكاة تقديرا على المؤسسات متناهية الصغر بينما قد تكون القوة الشرائية قد اختلفت جذريا أو تغيرت خلال العام بوضوح.

 

 

نقلا عن الاقتصادية