الاقتصاد محور المنافسة الدولية

01/06/2023 0
د. ثامر محمود العاني

في ضوء المنافسة الاقتصادية الشرسة بين أكبر اقتصادين في العالم، لا بد من النظر إلى الأحجام الاقتصادية للدول، إذ يبلغ حجم الاقتصاد الأميركي 23.3 تريليون دولار ويمثل 24.1 بالمائة من الاقتصاد العالمي، وتأتي الصين في المرتبة الثانية بحجم اقتصاد 17.7 تريليون دولار ويمثل 18.3 بالمائة من الاقتصاد العالمي عام 2021، علما أن حجم الناتج المحلي الإجمالي في العالم بلغ 96.53 تريليون دولار، وفق بيانات الحسابات القومية للبنك الدولي، وتأتي بعدهما بقية الدول حسب أحجامها الاقتصادية، وكان التركيز الرئيسي للمنافسة بين أميركا والصين، ومن خلفهما العالم، على الرقائق المدمجة، تلك الرقاقات الصغيرة التي لا تجعل السيارة والهاتف والكومبيوتر تعمل فحسب، وإنما تعمل أيضاً في توجيه الصواريخ، وهي ضرورية لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، وكل من يُهيمن على تصنيع تلك الشرائح يسيطر ولا بد على الأسواق فضلاً عن ساحة المعركة، إذ إن قطاع الرقائق المدمجة تُهيمن عليه قلة من الشركات التي حقَّقت نجاحاً كبيراً، إذ تُصنع أكثر من 90 بالمائة من الرقائق الأكثر تطوراً بواسطة شركة واحدة في تايوان، حيث يمثل موضوع الرقائق وضعاً لا يُحتمل بالنسبة للصين... وإذا كانت أميركا وحلفاؤها قادرين على منع الصين من الوصول إلى التكنولوجيا المتطورة، فقد يؤدي ذلك إلى عرقلة الصين، التي تعتزم التحرك صوب تحقيق الاكتفاء الذاتي من الرقائق، بينما أميركا تهدف إلى تحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي أكبر مما هي عليه الآن، وخلق تحالف عالمي للرقائق يستبعد الصين.

تحركت أميركا بقوة لمنع الصين من الحصول على تكنولوجيا ومعدات البرمجيات التي تحتاج إليها لبناء الرقائق الأكثر تقدما، إذ تقطع كل السبل على كل الشركات العسكرية والاقتصادية الصينية، وقد يبدو هذا وكأنه حماية منطقية... لكن الأمر يتخطى ذلك لنوع من الاستفزاز الخطير، حيث تهدف السياسة الرسمية الأميركية إلى جعل أمة من حوالي مليار ونصف المليار نسمة من الناس أكثر فقرا، من ناحية أخرى على مدى السنوات والعقود القادمة، سوف تخصص الصين مبالغ مالية هائلة لصالح برامجها الخاصة بالسياسة الصناعية، عبر مجموعة من التقنيات المتطورة، إذ إنَّ الصين تنفق بالفعل ما يزيد على اثني عشر ضعفَ ما تنفقه أميركا من الناتج المحلي الإجمالي على البرامج الصناعية.

ومن الجدير بالإشارة الحديث عن نظام دولي جديد، انطلق منذ سنوات ومحوره العمل على تجاوز أحادية القطب الذي تقوده أميركا، إذ إن الصين لها فهمها الخاص للنظام الدولي، حيث إن تشخيص العلاقات الصينية - الأميركية، ومع دول أوروبا وكندا واليابان، يحتاج إلى مقياس خاص، إذ إن الصين لها خلافاتها معها، لكنها ليست في صراع ضدها، حيث هناك علاقات اقتصادية واسعة ومهمة للطرفين، كما أن السندات الصينية في أميركا لها تأثيرها الفاعل في الاقتصاد الأميركي، إذ عندما حاولت أميركا عرقلة حركة التجارة بينهما، اكتشفت حقائق لم تعها، واستيقظت على تفاصيل كانت غائبة عنها، والصين تعلم علم اليقين أن النظام الدولي الجديد لن تلده حرب عالمية، بل سيكون نتاج قوة مختلفة عما سبقها، إذ إن الاقتصاد هو الأداة التي تحيي ولا تقتل، حيث إن الصين اليوم هي القوة الاقتصادية الصاعدة بمتوالية هندسية، وهي أكبر مصدر في العالم، ولها وجود مالي كبير في كل العالم، حيث باشرت في مشروعها العالمي المعروف بطريق الحرير وتتوسع بقوتها الناعمة في كل أنحاء أفريقيا، أرض الخامات وسوق الاستهلاك.

إن النظام الدولي الجديد سيكون مختلفاً عما سبقه من أنظمة، وسيكون نظاماً أفقياً يقوم على أعمدة جديدة، هي اقتصاد التقنية والتعاون الإقليمي والسيطرة على تحديات البيئة، إذ إن الصين لا تنافس على قيادة العالم، بل إنها دولة نامية، سلاحها الضارب العاقل هو الصبر المبدع والمنتج والمنافسة، من ناحية أخرى، تكثف أميركا مساعيها للترويج للاستراتيجية الجديدة لمواجهة النفوذ الصيني في أفريقيا، إذ تبدأ تحركات في أفريقيا تستهدف الترويج لرؤيتها التي تعد القارة السمراء مستقبل العالم، في إطار مساعيها المتواصلة لتعزيز وجودها في القارة، ومجابهة النفوذين الصيني والروسي، واستعادة مكانتها، وإعادة رسم العلاقات مع الدول الأفريقية، إذ تظهر واشنطن حرص واهتمام أميركا على الحفاظ على الشراكات الحالية مع دول القارة، وتكوين شراكات جديدة، وفي ضوء الحقيقة القائلة إن الصين محور المنافسة الدولية، أنفقت بكين 240 مليار دولار على الإنقاذ المالي لدول الحزام والطريق لما يصل إلى 22 دولة نامية بين عامي 2008 و2021، وزاد المبلغ في السنوات القليلة الماضية مع مواجهة مزيد من الدول مصاعب في تسديد القروض التي أُنفقت على البنية التحتية لمبادرة الحزام والطريق.

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط