تضاعفت ضغوط العوامل الأساسية على السوق العقارية طوال الـ11 شهرا الماضية، بدءا من الارتفاع المطرد لمعدل الفائدة بنحو 475 نقطة أساس خلال فترة وجيزة "آذار (مارس) 2022 ـ أيار (مايو) 2023"، ألقت بظلالها على القروض العقارية للتراجع بدورها بنحو 52 في المائة، وفق أحدث بياناتها المنشورة من البنك المركزي السعودي، وصولا إلى تراجع الدعم السكني الممنوح للمستفيدين بنسب بين 70 و80 في المائة، ودون إغفال الارتفاع القياسي الذي سجلته أسعار الأراضي والعقارات طوال الفترة من مطلع 2019 حتى منتصف العام الماضي، وفاقت به القدرة الشرائية لأغلبية المستهلكين، وتضاءلت أيضا أمامها شهية أغلبية التجار في النشاط العقاري، "ملاك أراض، مطورين عقاريين، متاجرين ومضاربين"، انتهى بها الحال إلى الاصطدام بتلك المستويات السعرية المرتفعة لمختلف الأصول العقارية، مع الاختلافات الكبيرة والمتسارعة التي طرأت على معدل الفائدة والإقراض العقاري للأفراد والدعم السكني الممنوح.
أفضت تلك التطورات أعلاه إلى سيطرة الركود على أغلب تعاملات السوق العقارية طوال الأشهر الـ11 الماضية، حتى مع أحدث البيانات العقارية المستقاة من قاعدة بيانات وزارة العدل، لم تتمكن التراجعات المحدودة في الأسعار "أدنى من 5.0 في المائة في المتوسط حتى نهاية الربع الأول 2023" من إخراج السوق من ركودها الراهن، وهي الحال ذاتها التي سيطرت على أغلب الأسواق العقارية حول العالم، نتيجة الارتفاعات المطردة في تكاليف الرهون العقارية، وقيام البنوك المركزية بالتراجع عن سياسات التيسير الكمي التي اندفعت إليها من بعد الأزمة المالية العالمية 2008، واستمرت تمارسها مرات عدة، كان آخرها وأكبرها خلال الجائحة العالمية لكوفيد- 19، تحت أدنى معدلات للفائدة تاريخيا طوال الفترة 2009 ـ 2021 وخلال الربع الأول من العام الماضي، ويتوقع أن تستمر تلك الضغوط من البنوك المركزية على الأسواق حتى ما بعد منتصف العام المقبل، وقد تمتد لفترة أطول إلى أن يتحقق مستهدفها النهائي بخفض معدل التضخم إلى 2.0 في المائة فما دون، والذي يبدو أنه بعيد المنال حتى نهاية العام الجاري، وفق توقعات صندوق النقد الدولي، وأغلبية المنظمات الدولية.
عودة إلى شأن السوق العقارية المحلية، التي تقف بتسعيرها المرتفع خلال الفترة الراهنة، أمام ضعف القدرة الشرائية لأغلبية المستهلكين من جانب، من جانب آخر تقف أمام ضعف شهية أغلبية التجار في النشاط العقاري، "ملاك أراض، مطورين عقاريين، متاجرين ومضاربين"، وأن عليها التكيف في الأجلين المتوسط والطويل مع العوامل الأساسية الراهنة، "ارتفاع الفائدة، تقلص السيولة والقروض والدعم السكني، تراجع توقعات التجار"، ما يشير إلى خضوعها لعملية إعادة تسعير واسعة وقوية في الوقت ذاته، لمختلف الأصول العقارية في ضوء تلك العوامل الأساسية، التي تختلف بدرجة كبيرة كما ونوعا عما شهدته خلال فترة الازدهار والانتعاش 2019 ـ 2021، وأن كلا الطرفين سواء مستهلكين باختلاف قدراتهم الشرائية، أو تجار باختلاف أنواعهم وحجم استثماراتهم، يقعان ضمن دائرة تأثيرات متبادلة، فمتى رأى التجار تحسنا في قدرة المستهلكين مجددا، اندفعوا نحو الشراء والتطوير والمتاجرة بصورة أكبر، وهو الأمر الذي لا يتوافر حتى تاريخه لدى الشريحة الأوسع من مجتمع المستهلكين مع ارتفاع الفائدة وتقلص الدعم السكني، إضافة إلى ارتفاع الوعي لديهم بالمخاطر المقترنة بالالتزام الائتماني باستقطاعات تفوق 50 في المائة من الدخل الشهري لأكثر من 25 عاما. وفي الوقت ذاته، سيجد المستهلكون أنفسهم مترقبين لأي محفزات ترغبهم في الشراء، وفق حدود قدرتهم الشرائية في ظل الأوضاع الراهنة، وهذا ما لم يبد ظاهرا بالصورة الملموسة حتى تاريخه في عموم تعاملات السوق العقارية، ولا حتى على مستوى المعروض للبيع من مختلف المنتجات العقارية السكنية، وإن حدث فلا يتجاوز تركزه في مواقع معدودة جدا، وقد تكون في مناطق خارج المدن الرئيسة، التي لا تتمتع بالكثافة السكانية نفسها في تلك المناطق المكتظة.
يدرك التجار أن استمرار الركود وتجاوزه عاما فأكثر، يعني تقلص الخيارات المتاحة الآن في الفترة المستقبلية، ويزداد التأكد لديهم في ظل عدم ظهور أي مؤشرات على عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقا من فائدة متدنية ودعم سكني، على وجه الخصوص، ويدركون أيضا أن تراجع الشراء من المعروض الحالي، يعني زيادة في مخزون الوحدات السكنية المعروضة للبيع شهرا بعد شهر، ويدركون أن الطلب الحقيقي ممثلا في القادرين فعلا على الشراء هو المعيار الحقيقي لتقييم الموقف، دون الأخذ بأعداد الأفراد غير المتملكين للسكن! يتصاعد وزن تلك الاعتبارات مع مرور الوقت لدى أطراف السوق، وتبدأ بالانعكاس على تعاملات السوق من حيث الأسعار، ليبدأ الغلاء الذي يغلفها بالانحسار تدريجيا، وتزداد سرعته مع القرارات المتتالية التي يتم اتخاذها من الدولة -أيدها الله- المستهدفة الحد من تضخم أسعار الأراضي والعقارات السكنية، وصولا بها إلى المستويات العادلة والمتوافقة مع القدرة الشرائية للشريحة الأكبر من المجتمع الاستهلاكي من المواطنين والمواطنات، وبما يؤدي إلى تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 برفع نسبة التملك بين المواطنين إلى 70 في المائة بحلول 2030.
قد لا يدرك ويفهم جميع التجار تلك المعطيات في وقت مبكر، إلا لدى الشريحة الأكبر خبرة ومعرفة بأوضاع السوق، ولاحقا قد يتبعهم التجار الأحدث سنا والأقل خبرة، وهو الأمر المتعارف عليه في مختلف النشاطات التجارية والاقتصادية عموما، والأهم في كل هذا أن تستقر السوق عند مستويات عادلة سعريا، وأن تصل إلى الأوضاع التي تلبي بعدالة وكفاءة متطلبات الأطراف كافة "تجار، مستهلكين"، وأن تلبي قبل ذلك كله المتطلبات التنموية للاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، وبما يعزز من الاستقرار المالي والمعيشي، ويسهم في خفض درجات المخاطر التي تقترن عادة بغلاء الأسعار وتضخمها فوق المستويات الطبيعية والمقبولة.
نقلا عن الاقتصادية
الإيجارات ترتفع بجنون ,, تصل إلى 90%.
فعلا، تذكرنا بالفترة 2007-2010 ارتفعت وقتها 75% ثم عادت للانخفاض خلال 2017-2021 بنسبة 18%، إلا أن الارتفاعات الآن تركزت في الرياض وجدة، وجدة تحديدا ارتفعت فيها إيجارات هائلة تجاوزت 143% وهذا يستدعي تدخل من كلٍ من وزارة البلدية والإسكان ووزارة التجارة، بوضع ضوابط تنظيمية على ملاك العقارات في هذا الخصوص، لأن أضراره الاقتصادية والتنموية كبيرة جداً، وأكبر بكثير من أية مبررات قد يستند إليها ملاك العقارات المؤجرة سكنيا أو تجاريا، فالمعدلات المسجلة تتجاوز 10 أضعاف معدل التضخم، وفي جدة تجاوزت 53 ضعف!!! خاصة في إيجارات الشقق السكنية، وهو ما لا يوجد له أي مبرر مهما اختلق من أعذار ملاك العقارات
وجدة تحديدا ارتفعت فيها إيجارات "الشقق السكنية" بنسب هائلة تجاوزت 143%
تحية طيبة اخ عبدالحميد.. برأيك الشخصي كم نسبة اصحاب القدرة الشرائية القادرين على التملك "حاليا" من مجموع طالبي السكن والراغبين بالتملك؟ اتمنى تعطي رقم او نطاق على الاقل مع الشكر الجزيل
حياك الله أخي خالد، لا يوجد بيانات دقيقة عن هذا الجانب، إنما تُقاس كمؤشرات مقاربة من خلال نسبة متوسط أسعار المساكن اليوم إلى متوسط الدخل السنوي للمواطنين (قطاع حكومي، خاص، وإجمالي) وهي تقف اليوم عند مضاعفات تتجاوز 14 إلى 15 ضعف الدخل السنوي المتوسط للفرد، وهذا مضاعف مرتفع جدا جداً إذا ما قارنته بمستهدف وزارة الإسكان التي وضعت المضاعف 5 مرات هدفا تعمل على تحقيقه بحلول 2020 ولكن للأسف الشديد نتيجة الإقراض الكبير والتسهيلات المرافقة له دون تشديد على ضوابط الاقراض بالسماح بوصول نسبة الاستقطاع إلى 65% من الدخل الشهري، إضافة إلى ضعف آلية رسوم الأراضي التي وجد ملاكها أن مكاسب الاحتفاظ بالأراضي تتجاوز بكثير أضعاف تكلفة الاحتفاظ بها، ما دفع بهم إلى استمرار اكتنازها نظير المكاسب الهائلة التي تحققت ولا تزال هذه المسألة قائمة إلى الآن.. كل هذا دفع إلى تسارع ارتفاع الأسعار وارتفاع قيمة المضاعف إلى أعلى حتى من سنة الأساس 2016.. أيضا من المؤشرات الدالة على القدرة الشرائية هو تعاملات السوق العقارية من التراجع الكبير واللافت في قيمة الصفقات وعدد العقارات السكنية المنقول ملكيتها خلال الـ 11 شهرا الماضي، وزيادة فترة عرض المساكن للبيع مقارنة بالفترة الوجيزة التي كانت عليها في 2021 تحديدا، ومع ارتفاع الفائدة وتقلص المبلغ المتحصل عليه للمستهلك + تراجع الدعم السكني من 70% إلى 80%، وستزداد الضغوط أكثر متى ما أعلن البنك المركزي عن خفض نسبة الاستقطاع إلى 40% كحد أقصى، وكل هذا مقابل ثبات الأسعار عند أعلى مستوياتها تاريخيا كل هذا أدى إلى تحجيم القوة الشرائية والطلب المقترن بالقدرة، ولهذا تجد السوق الآن في ركود مستمر، ولن يحدث خروج من الركود إلا بتغير العوامل المسببة له كانخفاض الفائدة أو زيادة الدعم السكني أو زيادة الرواتب وجميعها مستبعدة في المرحلة الراهنة، وبعضها مستحيل كالدعم السكني مثلا، تبقى النافذة الأخيرة المتمثلة في قيام التجار وبائعي المساكن بتقديم خصومات تحفيزية للمشترين، وهذا ما بدأ مشاهدته بنسب من 5% إلى 10% إلا أنها غير كافية قياسا على الغلاء الكبير في الأسعار، وقد يحدث مزيد من تلك الخصومات وتتسارع نتيجة دخول الدولة -أيدها الله- على طريق زيادة ضخ الأراضي والمنتجات السكنية بأسعار منافسة أقل من 1 مليون ريال..