فريكونومكز

02/05/2023 2
فهد عامر الأحمدي

من أكثر الكتب الجميلة التي قرأتها في حياتي كتاب يدعى فريكونومكز Freakonomics. أعرف أن الاسم غريب وتصعب قراءته لكونه يدمج بين كلمتي Freak أي غريب الأطوار، وEconomics أي الاقتصاد. وهذا يعني أن ترجمته الحرفية هي "الاقتصاد الغريب"، في حين أنني أفضل شخصيا منحه ترجمة أطول هي، "التأثير غير المباشر للاقتصاد في المجتمع"، والكتاب من تأليف ستيفن ليفييت ويحاول لفت انتباهنا للدور الخفي "اللاحق وغير المباشر" للعوامل الاقتصادية على الظواهر الاجتماعية. والجميل في الكتاب ابتعاده عن النظريات الاقتصادية المجردة والمعادلات الرياضية الجافة، ومفاجأتنا بعلاقات غير متوقعة تلعب فيها الورقة الاقتصادية دورا خفيا وغير محسوب في كل مجال تقريبا.

خذ كمثال رأيه في أن انخفاض نسبة الجريمة في بعض الولايات الأمريكية سببه السماح بالإجهاض فيها، فالإجهاض، حسب رأيه، قـلل عدد الأطفال الذي لا يملكون عائلات ترعاهم أو تمنحهم تعليما جيدا، وبالتالي قـلل من أفراد العصابات وعدد المراهقين الذين ينضمون إلى عالم الجريمة!، أيضا يدعي ليفييت أن انحسار تجار المخدرات يعود إلى أسباب اقتصادية وليس إلى أسباب تشريعية أو قانونية أو بسبب مهارة البوليس مثلا.. فموزعو المخدرات ليسوا أثرياء كما تصورهم أفلام العصابات، ولا يتجاوز دخلهم الشهري الحد الأدنى للأجور في أمريكا. وبسبب كثرة المروجين والتجار وإجازة بعض المخدرات لم يعد توزيعها مجديا اقتصاديا، الأمر الذي تسبب في اختفاء معظم التجار الصغار، "وشرح هذه الظاهرة في فصل بعنوان، لماذا يعيش تجار المخدرات مع أمهاتهم".

أما في الفصل الخامس فيشير إلى أن ارتفاع دخل الأسرة ينتهي في الأغلب بإنشاء مسبح في المنزل. وهذه المسابح مسؤولة عن وفاة الأطفال غرقا بنسبة تفوق بكثير وفاتهم بسبب اقتناء الفقراء المسدسات، "فـمن كان يتصور هذه العلاقة"؟!، أما في الفصل السادس فيوضح تأثير أسمائنا في نجاحنا المالي والوظيفي. فـحين يكبر الإنسان يوحي اسمه العائلي بخلفيته ومستوى دخله، والعرق أو الطائفة التي ينحدر منها. وليس أدل على هذا من أن الفنانين والسياسيين ورجال الأعمال يغيرون أسماءهم، "وكل ما يوحي بخلفيتهم الدينية والعرقية" حين يشتهرون فعلا!

وبالطريقة نفسها يشرح الكتاب السبب الخفي "وغير المباشر" لانهيار المنظمات المتطرفة، وحـتمية الغش في المنافسات الرياضية، وأوجه الشبه بين مصارعي السومو ومعلمي المدارس، وكيف تتصرف المنظمات العنصرية "مثل الكوكلسكلان" كـالنقابات العمالية، وكيف تسبب ظهور الإنترنت في انهيار صناعات كثيرة لمجرد أنها رفعت من وعـي الناس حيالها... إلخ، وقبل أن تسألني..نعم، الكتاب مترجم للعربية، وقراءته ممتعة للقارئ العادي، وضرورية للمتخصصين في الاقتصاد وعلم الاجتماع.

 

نقلا عن الاقتصادية