في بداية شهر أبريل (نيسان)، وبشكل مفاجئ، أعلنت «ماكدونالدز» إغلاق جميع مكاتبها الرئيسية في الولايات المتحدة لمدة أسبوع، وذلك استعداداً لإعادة هيكلة الشركة، وتسريح مئات الموظفين، مطالبة موظفيها بالعمل من المنزل وانتظار التعليمات التي قد تصل إليهم. بعد ذلك بأسبوع أعلنت الشركة عن تسريح عدد كبير من الموظفين، وتغيير الحوافز الوظيفية لبعض الموظفين والرواتب للبعض الآخر، محوّلة الأسلوب الذي تدار به الشركة من مكاتب إقليمية موزعة إلى مركز وطني واحد. الهدف من ذلك كله هو أن تكون «ماكدونالدز» بحسب وصف الشركة «أكثر ديناميكية وذكاء وتنافسية». فهل هذا الأسلوب جديد على الشركة؟ ولما ينظر إلى هذا التوقيت على أنه منطقي ومستغرب في الوقت نفسه؟
في نهاية عام 2022، كان عدد موظفي الشركة يزيد قليلاً على 150 ألف موظف حول العالم، 70 في المائة منهم خارج الولايات المتحدة، وفي الوقت الحالي ترى «ماكدونالدز» أن هذا العدد زيادة على حاجتها. وعند العودة سنوات إلى الوراء، يلاحظ أن تقليل الموظفين وزيادة كفاءة الأعمال أصبحا أشبه بالاستراتيجية لـ«ماكدونالدز». ففي عام 2014 وصل عدد موظفي الشركة إلى 440 ألف موظف، أي أكثر من ضعف العدد الحالي، وخفضت الشركة هذا العدد إلى 235 ألفاً بحلول 2017، وكانت حينها تفاخر بأنها تحقق الأرباح الهائلة بهذا العدد من الموظفين، حينها كان يُنظر إلى العدد بأنه منخفض، ولكنها مع ذلك استمرت في تخفيض عدد الموظفين إلى أن وصلت إلى العدد الحالي.
وعند مقارنة عدد الموظفين بسعر سهم الشركة، فقد كانت «ماكدونالدز» في عام 2014 تتباهى بأن أداء سهمها أفضل من السوق، بعدما وصل إلى 100 دولار، (قد تدنى في عام 2003 حتى سعر 12 دولاراً!) واليوم، وبعد عشر سنوات من زيادة كفاءة الشركة وتحسين عملياتها، التي صاحبها بكل تأكيد تخفيض في القوى العاملة، وصل سعر السهم إلى أكثر من 280 دولاراً! أي أن تخفيض عدد الموظفين لم يضر بالشركة كما كان متوقعاً، ولم يكن إشارة سلبية عن الشركة، كما يقال عن «ماكدونالدز» هذا الشهر بعد إعلاناتها.
توقيت هذا القرار يبدو منطقياً لعدة أسباب، منها أن الشركة، حالها كباقي الشركات، تحاول الاستعداد الاستباقي لمرحلة من الركود الاقتصادي المتوقع، والتأقلم مع التضخم الذي شمل سلاسل التوريد، ولا تريد أن تتأخر بالقرارات الصعبة حتى يبدأ الركود لأنها إن فعلت فسيكون قرارها إشارة سلبية للسوق في ذلك الوقت. كما أن «ماكدونالدز» تواجه منافسة شرسة من منافسين عدة، حيث إن هؤلاء المنافسين أصغر حجماً وأكثر قدرة على الابتكار في السوق، وصغر حجمهم يعطيهم المرونة للتغير بحسب متطلبات السوق، وهو ما لا تملكه «ماكدونالدز» ذات الـ37 ألف فرع حول العالم.
أما مبعث الاستغراب من إعلانات الشركة، فهو أن تخفيض عدد الموظفين جاء في وقت تفوقت فيه «ماكدونالدز» على نفسها، بأداء مالي رائع، وسعر سهم غير مسبوق، فقد ارتفعت مبيعاتها في عام 2022 بنحو 11 في المائة عن العام السابق، ووصل صافي الدخل في الربع الرابع لذلك العام إلى ما يقارب 1.9 مليار دولار، وهو أكثر بـ16 في المائة من الربع نفسه في عام 2021. والأكثر من ذلك، أن الشركة رصدت نحو 2.4 مليار دولار استثمارات رأسمالية لإنشاء 1900 فرع جديد في هذا العام.
إن استراتيجية «ماكدونالدز» كانت وما زالت لا تتبنى سلوك «ردة الفعل»، باتخاذ القرارات بعد انخفاض العوائد كما هي الحال مع الشركات التقنية، التي تعد صغيرة في العمر مقارنة بـ«ماكدونالدز»، ويبدو أن قِدِم الشركة كان له أثر في هذا السلوك الذي يعتمد في تخطيطه على استباق الأحداث واستشراف الأوضاع الاقتصادية. وقرارات الشركة في السابق أكبر دليل على أنها جاءت في الوقت الصحيح، فلو استمرت بعدد موظفي عام 2014 نفسه لما تحسن أداؤها ليصبح كما هو اليوم، ولضرتها التقلبات الاقتصادية بسبب زيادة الأعباء والتكاليف، ولكنها بالمقابل كانت أكثر مرونة بالتعامل مع الصدمات الاقتصادية، وكانت إحدى أكبر الشركات المستفيدة من فترة الجائحة. ولا شك أنها بتلك القرارات، كانت مثالاً في تحسين العمليات وزيادة الكفاءة، بتخفيض عدد الموظفين إلى أقل من النصف، وزيادة القيمة السوقية بأكثر من مرة ونصف المرة.
نقلا عن الشرق الأوسط