الفرق بين الشركات الخاسرة وحمقى المشاهير

09/04/2023 1
د. محمد آل عباس

نعم هذا صحيح، فلا علاقة "مباشرة" بين حمقى المشاهير وبين الشركات الخاسرة، لكن لو تأملت قليلا ستجد أن من يصنع حمقى المشاهير هو نفسه من يضع الشركات الخاسرة في قمة تداول سوق الأسهم وتصل إلى النسبة القصوى، ولا تجد مبررا لهذا ولا ذاك، وفي ظني المسألة عميقة في وعي المجتمع وثقافته الاقتصادية، وهي ظاهرة اجتماعية تستحق التأمل.

وبعيدا عن حمقى المشاهير الذين يتم دعم تحدياتهم بالملايين، فقد نشرت "الاقتصادية" تقريرا عن وجود 23 شركة سعودية مدرجة في السوق الرئيسة بخسائر متراكمة تجاوزت 8.18 مليار ريال، ومن بين الـ 23 شركة، تبلغ الخسائر المتراكمة لـ 11 شركة نحو 20 في المائة فأكثر وبما يقل عن 35 في المائة، وتسع شركات أكثر من 35 في المائة إلى أقل من 50 في المائة، وثلاث شركات تبلغ خسائرها المتراكمة 50 في المائة فأكثر من رأس المال، منها شركتان تتجاوز خسائرهما 100 في المائة من رأس المال.

وقد سبق وطبقت هيئة السوق المالية عدة إجراءات بشأن الشركات المدرجة أسهمها التي بلغت خسائرها المتراكمة 50 في المائة فأكثر من رأسمالها، حيث تم تقسيم الشركات حسب نطاقات، فالشركة التي تعلن عن خسائر متراكمة تبلغ 50 في المائة فأكثر إلى أقل من 75 في المائة من رأس مالها ستقوم السوق المالية السعودية بوضع علامة باللون الأصفر إلى جانب اسم الشركة، وإذا بلغت خسائرها المتراكمة 75 في المائة فأكثر وأقل من 100 في المائة، سيتم وضع علامة باللون البرتقالي إلى جانب اسم الشركة، وإذا بلغت خسائرها المتراكمة 100 في المائة فأكثر من رأسمالها، سيتم وضع علامة باللون الأحمر، وكل هذه الألوان من أجل تحذير المجتمع من المضاربة في هذه الأسهم لأنها تعد ذات - وفقا للمفاهيم الاقتصادية والاستثمارية - مخاطر عالية. لكن لنقف قليلا حول عبارة "المخاطر العالية". فما المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها شخص قام بالشراء في سهم لشركة بلغت خسائرها النطاق الأحمر، يعني 100 في المائة من رأس المال؟ صراحة حتى كتابة هذا المقال، لا أجد للمضارب في هذه الشركات مخاطر كبيرة، وهنا أشدد على كلمة المضارب، وليس المستثمر، فالمضارب يسعى وفقا لاستراتيجياته للفوز بزيادة في قيمة سعر السهم عن السابق، وهذا يتحقق مع كل الشركات الخاسرة عموما، بل هي تعد من بعض الجوانب أفضل من غيرها، خاصة إذا اعتمدنا على التحليل الفني فقط.

قبل كتابة هذا المقال كانت واحدة من الشركات المصنفة ضمن النطاق الأحمر تغرد وحيدة في قمة الشركات الأكثر ارتفاعا وبالنسبة الكاملة تقريبا (9.98 في المائة)، والشركة التي تلتها هي شركة مصنفة في النطاق الأصفر أي أن خسائرها بلغت أكثر من 50 في المائة، وجاءت الثالثة في ترتيب الأعلى ارتفاعا شركة مصنفة في النطاق البرتقالي. فكل هذه شركات أعلنت خسائر متراكمة، ويتم تداولها في السوق بكل سرور، ويحقق المضاربون فيها أرباحا رأسمالية ممتازة، فأين المخاطر وكيف أفسر علامة حمراء بأكثر من كونها فرصة؟ وإذا كانت الغلبة في قرارات المضاربين في سوق الأسهم للتحليل الفني الذي يقيس بشكل متقن قرارات المتعاملين في السوق بشأن البيع والشراء، فإن المجتمع الذي يتهافت بأمواله على شراء شركات خاسرة هو الذي يصنع نجوميتها في السوق كما نصنع من الحمقى مشاهير.

ماذا لو سألت مستثمرا شهيرا مثل وارن بافيت عن رغبته في شراء أسهم شركات مثل ذات الألوان الحمراء، هل سيقوم بالشراء فيها؟ لن أجيب عن السؤال، ليس لأنه صعب بل لأنه خطأ، وهو خطأ مقصود، فمثل وارن بافيت لا يشتري الأسهم بل يستثمر في الشركات، وهنا فرق دقيق. فالاستثمار كما يعرف الجميع ليس المضاربة، الاستثمار هو وحده الذي يحقق كفاءة تخصيص الموارد، بينما المضاربة لا تحقق الكفاءة الاقتصادية.

لعلي أوضح هنا أن كفاءة تخصيص الموارد هي أسمى قضية في علم الاقتصاد ولها وعليها دارت النقاشات الفلسفية الكبرى، بل هي علم الاقتصاد كله وكل ما يتبعه من علوم تدور في فلكه مثل المحاسبة والحوكمة والمراجعة الخارجية والداخلية حتى علوم إدارة الأعمال والجودة والقانون، بل حتى علوم الفيزياء كلها حتى قرارات الطبيب في إجراء العملية أو تركها، كل هذه العلوم تعمل جاهدة من أجل تحقيق مفهوم كفاءة تخصيص الموارد، لذلك عندما نقوم بمنح الأموال من أجل شراء أسهم في شركات خاسرة فإننا لن نضيف قيمة للاقتصاد السعودي، نحن كمن يدفع أمواله في تحديات المشاهير على قنوات التواصل الاجتماعي، ففي كلتا الحالتين نحن نفشل في اختبار كفاءة تخصيص الأموال، ومع ذلك فإن المجتمع ينتقد بشدة قرارات دعم المشاهير بينما لا نسمع صوتا لانتقاد قرارات الشراء في أسهم الشركات الخاسرة، ولا فرق بينهما في هذه المسألة أبدا، فكلا الأمرين يعد سيئا في تخصيص الموارد.

 

 

نقلا عن الاقتصادية