بدأ ظهور لجان مجلس الإدارة قبل بداية النصف الثاني من القرن العشرين عندما أوصت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بإنشاء لجنة المراجعة كأول لجنة منبثقة من مجلس الإدارة، لتفرض بورصة نيويورك إلزامية الشركات المدرجة بإنشاء لجان الترشيح والمكافآت مع صدور قانون ساربينز أوكسلي، وفي المملكة العربية السعودية كانت البداية بقرار من وزارة التجارة في أوائل التسعينات بأنشاء لجنة المراجعة، حيث تبلورت وتنامت الحاجة الي وجود اللجان المنبثقة من المجلس منذ مطلع الألفية بشكل أكثر تنظيم في ظل متطلبات تطبيق الحوكمة وازدياد المشاكل المالية في الشركات على مستوى العالم والضغوط من أصحاب المصلحة وتلبية لاحتياجات الجهات الرقابية المتغيرة.
ولما يلعبه مجلس الإدارة وصلاحيته في تشكيل وأقرار اللجان المنبثقة وذلك رغبة في تفعيل تلك الأدوار وتقسيم المهام ورفع الكفاءة والفاعلية وتحسين عمل مجلس الإدارة في آلية تطبيق وحوكمة القرارات على مستوى الشركة والتي تعود بالنفع على المساهمين وأصحاب المصلحة، تعد اللجان المنبثقة من مجلس الإدارة لجان داعمة لأعمال مجلس الإدارة نتيجة للتعقيدات المتزايدة في بيئة الأعمال والمخاطر المرتبطة بها وتركز بشكل أعمق على مواضيع محددة وأهداف أكثر تركيزاً، لذا قد يحتاج مجلس الإدارة إلى دعم إضافي للتعامل مع المسؤوليات المتزايدة والقضايا التخصصية في جوانب محددة وتفويض بعض المهام، من هنا تكُمن دور اللجان في الرقابة وتقديم المشورة لمجلس الإدارة وتأثيرها على فعاليته متى ما تم تفعيلها وتوظيفها بالشكل المناسب ولا تعفى أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية والمساءلة، كما تساعد اللجان على الاستفادة بشكل أكبر من خبره ووقت أعضاء المجلس بشكل أكثر كفاءة.
ولفهم أعمق لمفهوم اللجان يمكن تصنيف لجان المجلس الي فئتين رئيسية الأولى اللجان الدائمة والداعمة والتي تبنى على أساس الوظائف الاساسية للمجلس والمتطلبات التنظيمية لدعم آليات صنع القرارات والتوجهات الاستراتيجية للمجلس، منها على سبيل المثال لا الحصر (لجنة المراجعة، لجنة الترشيحات والمكافآت، اللجنة التنفيذية، لجنة الحوكمة..) الفئة الثانية اللجان المؤقتة فهي تشكّل لحاجة محددة لفترة زمنية محددة مثل مشروع أو مشكلة وتنتهي بانتهاء الغرض منها.
وفي المملكة العربية السعودية تعد اللجان غير ملزمة للشركات غير المدرجة، وملزمة للشركات المدرجة ويتماشى ذلك مع واقع الممارسات العالمية فيوجد ثلاثة لجان رئيسية لعمل المجالس حيث أوصت المفوضية الاوربية في عام 2005م بإنشاء تلك اللجان (لجنة المراجعة، لجنة الترشيحات، لجنة المكافآت) باعتبارها سمة أساسية من سمات إطار الحوكمة وتعد تلك اللجان أكثر شيوعاً بموجب الأنظمة وقواعد الإدراج أو الحوكمة لكل دولة، فعلى سبيل المثال تعد لجنة المراجعة متطلب قانوني لأغلب الدول أمريكا، فرنسا، إسبانيا، تركيا، اليابان بينما تعد لجنة الترشيحات والمكافآت متطلب بموجب قواعد الإدراج في العديد من الدول وعدد قليل منها يعدها توصية وفق مبادئ الحوكمة، وقد يتم الدمج بين لجنة الترشيحات والمكافآت من دولة لأخرى كما هو معمول به في المملكة العربية السعودية، وتعد لجنة المخاطر من اللجان الإضافية للقطاع المالي على مستوى العالم مع بوادر انتشار جديدة لتكوين لجنة التكنولوجيا والاستدامة. وقد سنّت الأنظمة السعودية ذلك من خلال نظام الشركات بشكله الجديد في أحقية المجلس في تفعيل دور اللجان دون تحديد ونظمتها من خلال لائحة حوكمة الشركات المدرجة والمبادئ الرئيسية للحوكمة في المؤسسات المالية بصلاحية مجلس الإدارة بإنشاء لجان تابعة للمجلس وفق الحاجة وحجم العمل وتنوع الانشطة للشركة.
لا شك أن إدارة مجالس الإدارة أمراً يشوبه العديد من التحديات لكن إدارة اللجان المنبثقة عنه يعد أمراً أكثر تحدياً وخاصة عند كثرتها، وقد يعزى كثرة إنشاء اللجان بخلاف ما هو معمول به الي عدم فاعلية المجلس في تأدية مهامه وتخصيص الوقت الكافي لممارسة دور كل عضو من أعضاء مجلس الإدارة، وقد تكون كثرة اللجان المنبثقة عن المجلس مؤشر ذو وجهان متغايران من حيث الإيجابية والفاعلية، فقد تمارس بشكل إيجابي وتحقق المستهدفات التي من أجلها تم تشكّيل اللجان وتعزز كفاءة وإنتاجية المجلس وقدراته على صناعة القرارات بالشكل الأمثل، وقد يكون العكس في محاولة للتخلي عن المشاركة في مراحل صنع القرار ومحاولة تحويل تلك المسؤوليات الى اللجان للبعد عن المساءلة وإضعافها، كما يقع على مجلس الادارة مسؤولية ضمان فاعلية كل اللجان التي يقرر إنشاءها ومن المهم معرفة أنه كلما زاد عدد اللجان المشكّلة زادت الحاجة إلى جهد أكبر في التحضير وانعقاد اجتماعات أكثر وإمكانية تداخل في المسؤوليات وأن العبرة ليست بالكثرة بل بالفاعلية والقيمة المضافة، ولعلي استذكر قولاً للراحل غازي القصيبي " إذا أردت لموضوع أن يموت فشكّل لجنة".
ومن مبادئ الحوكمة التي يتوجب مراعاتها عند استحداث تلك اللجان مدى الحاجة لها، نوعية اللجنة، وجود ميثاق، المرونة والتناسب في التكوين، وضوح نطاق العمل، الصلاحيات، المدة الزمنية والجوانب الاشرافية، دورية الرقابة للأعمال والتقييم، التواصل القوي ما بين اللجان ومجلس الإدارة واختيار الأعضاء ذوي الخبرة المكملة لخبرات المجلس في بعض المجالات التخصصية للاستفادة منهم حتى وإن لم يكونوا من أعضاء المجلس، الاستقلالية ، وأن يكون هناك تأثير وأضح على نجاح المجلس، وتعد من الممارسات الشائعة عدم إشراك عضو مجلس الإدارة في أكثر من لجنتين، بالإضافة الي إنشاء هيكل اللجان الصفري مع بداية كل عام أو كل دورة جديدة للمجلس لاعتماد اللجان التي سيتم احتياجها فقط مما يضمن الغاء اللجان غير الضرورية وتجنب الركود وذلك وفقاً لخطط المجلس ومستهدفاته الاستراتيجية.
وأخيراً تلعب اللجان دوراً حاسما في تمكين مجالس الإدارة من الوفاء بالمسؤوليات الرقابية المتطورة وتعزز من فعالية مجالس الإدارة، وسيظل التساؤل كم عدد اللجان التي يجب أن تنبثق من مجلس الإدارة؟ والجواب حتما سيكون مختلفاً لكل شركة فعلى سبيل المثال: على الشركات المتوسطة والصغيرة أن تتيقن أولاً من تفعيل دور المجلس قبل الانتقال إلى إنشاء لجنة أو أكثر، كما أن طبيعة الشركات العائلية تستدعي بعض الضوابط والخصوصية على مستوى المجلس واللجان والتي قد لا تتطلبها الشركات الأخرى، وكذلك الاختلاف ينطبق على الشركات المدرجة حتى وإن حددت التشريعات الحد الأدنى من اللجان، إلا أن الشركات تتفاوت في اللجان الأخرى من ناحية عددها ومسمياتها ونطاق عملها. لذا يُفضل للشركات مراعاة مبدأ التدرج بإنشاء اللجان وكذلك المرونة في إنشاء وإلغاء ودمج اللجان متى ما دعت الحاجة لذلك، فوجود مثلاً لجنتين بنطاق عمل وأضح وفاعلية كبيرة أكثر نفعاً من وجود عدد أكبر من اللجان دون مخرجات وقيمة مضافة للمجلس.
خاص_الفابيتا