تراجع حجم تداولات السعوديين في الأسهم الأمريكية

26/03/2023 4
د. فهد الحويماني

وصل حجم تداولات السعوديين في الأسهم الأمريكية في الربع الرابع من 2022 نحو 14 مليار ريال، متراجعا عن أعلى قمة بلغها في الربع الثالث من 2020 بمبلغ 114 مليار ريال. ماذا يعني هذا التراجع؟ ولماذا يذهب السعوديون إلى الأسواق الأمريكية؟ وهل من مخاطر متعلقة بذلك؟

أولا، 14 مليار ريال هي حركة التداول طيلة ثلاثة أشهر، أي تقريبا 220 مليون ريال يوميا، أو ما يعادل 5 إلى 15 في المائة من متوسط حجم التداول اليومي في سوق الأسهم السعودية. ورغم التراجع الظاهر في حجم التداول، إلا أن ذلك يدل على وجود تداولات كبيرة نسبيا في السوق الأمريكية من قبل السعوديين، ولا سيما أن هذه الإحصائية الصادرة عن هيئة السوق المالية لا تشمل التداولات المباشرة التي يقوم بها بعض السعوديين عن طريق الوسطاء الخارجيين.

أما حين مقارنة ذلك بحجم التداول اليومي في الأسهم الأمريكية، فهذه المبالغ تعد ضئيلة جدا، فلو نظرنا إلى أسهم بعض الشركات كأمثلة فسنجد أن شركة تسلا يتم تداول أسهمها بأكثر من 100 مليار ريال يوميا، و"جوجل" و"مايكروسوفت" و"أبل" تتجاوز تداولاتها اليومية 50 مليار ريال.

لا غرابة في توجه المتداولين إلى الأسهم الأمريكية، وليس السعوديون فقط، بل كثير من المتداولين من دول عديدة، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن الأسواق الأمريكية ترحب بالمتداولين الأجانب ولا تفرق بينهم وبين المتداولين الأمريكيين من حيث العمولات والخدمات. علاوة على ذلك فمعظم المتداولين الأجانب، بما في ذلك السعوديون، لا يدفعون ضرائب على الأرباح الرأسمالية، بينما المواطن الأمريكي يدفع ضرائب تصل إلى 20 في المائة حين يبيع بربح بعد الاحتفاظ بالسهم لأكثر من عام، ويدفع ضرائب تصل إلى 37 في المائة في حال البيع خلال أقل من عام.

قبل التطرق لجاذبية الأسهم الأمريكية من حيث التنوع والعدد والأدوات المالية، تجب الإشارة هنا إلى بعض النقاط الواجب الانتباه إليها لمن يرغب في التداول المباشر عن طريق وسيط أمريكي، وهي أولا احتمال حدوث إشكاليات تتعلق بصحة اسم صاحب الحساب أو هويته، ويحدث ذلك لدى بعض الوسطاء عندما يحتاج العميل إلى التحويل إلى حسابه في بنك سعودي، أو لأي اختلاف في التوقيع، أو لأي أسباب شكلية أخرى، وعندها قد تتعثر عملية التحويل أو تتأخر على أقل تقدير.

كذلك هناك مخاطر تتعلق بقوانين غسل الأموال أو أي شبهات حول ذلك، أو ربما مكافحة الإرهاب ونحو ذلك، ما يعني أن أموال العميل السعودي قد تكون عرضة للحجز أو التجميد أو المصادرة، حتى إن كانت هذه الاحتمالات بعيدة، إلا أنها من المخاطر الواجب أخذها في الحسبان.

أخيرا فيما يخص النقاط السلبية للتداول المباشر في أمريكا، يقال -وأنا لا أعلم حقيقة ذلك- أنه في حال وفاة مالك الحساب فهناك قوانين تجيز للولاية الأمريكية، بحسب قوانين الميراث، استقطاع حصة كبيرة نسبيا من مبلغ الحساب قبل تحويل المبلغ إلى صاحبه. إضافة إلى أنه حتى في الأحوال العادية لا يمكن التحويل من الحساب إلا بخطاب موقع يدويا من قبل صاحب الحساب.

أما أسباب جاذبية أسواق الأوراق المالية في أمريكا لكثير من الناس حول العالم فهي عموما تتعلق بوجود عدة آلاف من الأسهم في مجالات متنوعة، وبسيولة يومية عالية مع فوارق ضئيلة بين أسعار العرض والطلب، إلى جانب عدم وجود أي عمولة على تداول الأسهم مع وجود عمولة ضئيلة للوسائل الأخرى. على سبيل المثال، عمولة شراء عقود الخيارات لا تتجاوز 25 ريالا لشراء ما يعادل ألف سهم من أي شركة.

في الأسواق الأمريكية هناك أدوات استثمارية مهمة لإدارة المحافظ والتحوط وتشمل العقود المستقبلية وعقود الخيارات، حيث هناك تداول عال جدا في هاتين الوسيلتين، على سبيل المثال يتم تداول أكثر من 200 ألف عقد مستقبلي من الذهب يوميا، وهذه فقط لعقود الذهب الكبرى ذات 100 أونصة للعقد، ويتم تداول أكثر من 300 ألف عقد مستقبلي من النفط من عقود ألف برميل، وفي عقود الخيارات يتم تداول أكثر من مليوني عقد يوميا من عقود مؤشر إس آند بي صغيرة الحجم، وهكذا.

جاذبية الأسهم الأمريكية ليست بسبب أنها مربحة أكثر من غيرها من الأسواق، فبحسب بعض الدراسات التي قمت بها سابقا بلغ المتوسط التاريخي للعائد الكلي لسوق الأسهم السعودية على مدى 36 عاما 9.1 في المائة، وهو مشابه لما هو حاصل في الأسواق العالمية. كذلك ليس السبب قلة التذبذب في الأسعار، فالأسهم الأمريكية تتعرض لتذبذبات حادة، آخرها العام الماضي حين انخفضت أسهم قيادية كبيرة بنسب تجاوزت 50 و60 في المائة، كما أن مؤشر ناسداك لأهم 100 شركة تقنية انخفض بنسبة 34 في المائة.

وأخيرا رغم جاذبية الأسهم الأمريكية إلا أن من الممكن أن ترتفع جاذبية سوق الأسهم المحلية في المملكة نتيجة التطورات التي لمسناها في الأعوام القليلة الماضية، سواء على مستوى التشريعات والتنظيمات التي تقوم بها الهيئة، أو على مستوى الجوانب التشغيلية والوسائل الجديدة فيما يخص نشاط مجموعة "تداول"، منها إطلاق آلية صناع السوق وإدراج أسهم إيصالات الإيداع للشركات الأجنبية، والبدء بتداول عقود الخيارات وغير ذلك من تطورات واعدة.

 

نقلا عن الاقتصادية