أزمة الإسكان.. ودولة العقارات

19/02/2023 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

وصلت أزمة الإسكان في العالم إلى أبعاد لا يمكن فهمها، فيما يعتقد البعض أن البناء الجديد يكفي لحلها، وحتى التشرد يمكن اختزاله في مشكلة العرض والطلب، بينما يقول المنطق إن زيادة المعروض ستلبي الطلب في المدن عالية التكلفة، بينما تصبح المنازل ميسورة التكلفة متوافرة بمرور الوقت، وهذا  ضمن الكفاءة الاقتصادية للحكومات باعتبار أن واجبها الأول تسهيل حصول المواطنين على سكن لائق يقيمون فيه.

بعض الخبراء، لا يرى مطلقاً أن حل الأزمة يكمن في إنشاء المزيد من الوحدات السكنية، فالعقبة المركزية تبقى في هوس البعض ببناء منزل للأسرة الواحدة في المناطق باهظة الثمن، إذ أن بناء المزيد ليس حلاً سحريًا في حد ذاته، ففي الواقع، يمكن أن يجعل الأزمة أسوأ بدون سياسات قوية مصممة لمساعدة ذوي الدخل المنخفض على البقاء في مساكن ميسورة التكلفة. 

والواقع، أن بعض المعروض السكني في كثير من الدول يعد محدودًا بشدة بسبب أيديولوجية الحلم الذي يعتنقه الزبائن، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يظل حلم تأسيس منزل الأسرة الواحدة النموذج الأعلى، لكن العيش مع أسرة واحدة له عواقب أيضاً، فهو يستنفذ المزيد من الأراضي، ويكلف أكثر، وينتج مساكن أقل من المجمعات السكنية متعددة العائلات، وعلاوة على ذلك، تستخدم الحكومات المحلية للولايات التقسيم الإقصائي للأسرة الواحدة لتعزيز الفصل العنصري.

تتوسع عواصم المدن صعودًا في الأبراج الشاهقة وتوسيع رقعة الضواحي الراقية، ولكن من غير المقبول التلاعب بالمساحة المقدسة لمنزل العائلة في الولايات المتحدة، ففي الثمانينيات، قوبلت المقترحات المتواضعة لإصلاح تقسيم المناطق بمقاومة شديدة، إلا أن الفكرة بدأت تتغير اليوم، إذ تشجع بعض المدن زيادة الكثافة السكانية عبر السماح ببناء المزيد من الوحدات على قطع أرض للعائلة الواحدة، لأنها تعد وسيلة لتحصيل إيجار إضافي مع توفير المزيد من المساكن منخفضة التكلفة، وقد تعيد هذه التطورات تشكيل الخريطة العمرانية في المدن الأمريكية.

غالباً، ما يرتبط الإسكان العشوائي بالجنوب العالمي مثل الأحياء الفقيرة في مومباي، أو ساو باولو، وإذا كان البعض يعتقد بأننا باتجاه ثورة سكنية هادئة، فإنه إذا لم يتكيف صانعو السياسة مع طرق البناء الجديد التي تشمل تخفيف اللوائح، وحدود ارتفاع المباني، وتسهيل الحصول على تصاريح البناء، فمن المرجح أن يعيد السوق المتغير إنتاج نفس الوضعية التي أفرزت لعقود مضت عدم الاستقرار، وسوء المعاملة التي يعاني منها المستأجرون الفقراء.

من غير المرجح أن يوفر السوق العقاري وحده إسكانًا لائقًا ومناسبًا للأسر ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، إذ لابد من زيادة الإنفاق العام على الإسكان ميسور التكلفة، وهذا تذكير مهم لصقور التنمية، ويبدو أن النقص في المساكن ليس سوى جزء من الصورة، وهو الجزء الذي يفضل صراحة وجهة نظر المستثمرين والملاك الذين يتوقون إلى جني الأرباح في سوق متقلب.

لكن، الاستبعاد من السكن في الولايات المتحدة هو الجزء الآخر من الصورة، حيث تقوم العديد من المدن بالبناء الذي يعطي الأولوية لمصالح النخب بينما يطرد السكان الفقراء الملونين، وهذا ليس من قبيل الصدفة، ولكنه سمة من سمات "روح التنمية فوق كل شيء" التي تنشط التخطيط الحضري متجاهلة المساواة العرقية في الإسكان، وقد يكون من الصعب تخيل مدينة توفر سكنًا آمنًا وبأسعار معقولة لكل من يحتاج إليه، لكن جنون سوق الإسكان هو انعكاس لأى دولة، وأحد أسباب الأمل يكمن في إقصاء الجشع والندرة وتحقيق المساواة.

 

 

خاص_الفابيتا