انتهت الحرب العالمية الثانية في أوروبا بغزو الحلفاء لألمانيا، وسيطرة الاتحاد السوفييتي على برلين واستسلام ألمانيا في ٨ مايو عام ١٩٤٥. بينما انتهت الحرب في مسرح المحيط الهادئ في ٢ سبتمبر/ أيلول ١٩٤٥ بالتوقيع الرسمي على وثائق الاستسلام من قبل اليابان.
في الفترة من ١ إلى ٢٢ يوليو/تموز ١٩٤٤، انعقد في غابات برايتون في نيوهامشر بالولايات المتحدة الأمريكية مؤتمراً حضره ممثلون لأربع وأربعين دولة. وذلك لوضع الخطط من أجل استقرار النظام العالمي المالي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة أن النظام النقدي القائم وقتئذ كان يعاني من المشاكل. فقد شهد شهر يونيو ١٩٤٤ تقريبا نهاية الاعمال العسكرية جواً، بل حررت قوات الحلفاء روما. كما هبطت القوات البريطانية والأمريكية والكندية بنجاح على شواطئ نورماندي في فرنسا، وبدأت الزحف نحو باريس. كما شن السوفييت هجومًا هائلًا في شرق روسيا البيضاء، ودمروا مقار الجيش الألماني.
لك أن تتخيل عزيزي القارئ الأجواء التي تعقد فيها أقوى قوة منتصرة هذا المؤتمر، ولم تتحر بعد أوروبا من النازية، حيث سيوافق الجميع طواعية على رغبات هذه القوة بدون مناقشة، خاصة أنها ستقرض كافة الأمم بعد أن أفلستهم الحرب!
أقر هذا المؤتمر اتفاقية غابات بريتون "برتون وودز"، حيث تنص صراحة أن الدولار الأمريكي هو المعيار النقدي الدولي لكل عملات العالم حيث تعهدت امريكا بموجب تلك الاتفاقية بانها تمتلك غطاء من الذهب يوازي ما تطرحه من دولارات وتنص الاتفاقية على أن من يسلم امريكا ٣٥ دولارًا تسلمه أمريكا أوقية من الذهب. وعلى أساس هذه الاتفاقية صار الدولار يُسمّى (عملة صعبة) واكتسب ثقة دولية، وذلك لاطمئنان الدول لوجود تغطية له من الذهب. فقامت الدول بجمع أكبر قدر من الدولارات في خزائنها، على اعتبار أن ما تجمعه ذهباً.
واستمر الوضع على هذا الحال زمنًا حتى أعلن الرئيس نيكسون في ١٥ أغسطس/أب ١٩٧١ بأن الولايات المتحدة لم تعد من تاريخه ملتزمة ببنود اتفاقية غابات بريتون، وعليه لن تسلم حاملي الدولار ما يقابله من ذهب. بالإضافة إلى ذلك، تضمن إعلان نيكسون أن الدولار سيُعوَّمُ، حيث يحدد العرض والطلب سعر صرفه. ولم يكن في وسع أي دولة الاعتراض على قرار نيكسون، لأن هذا الاعتراض يعني أن كل ما في خزينة هذه الدول من مليارات الدولارات سيصبح ورقًا بلا أي قيمة.
إذا نظرنا إلى وضع الذهب الآن، نجد أن إجمالي حجم احتياطي الذهب العالمي لدى الدول والمنظمات ٣٥ ألفاً ٢٤٤.٥ طناً، منها ١٠٧٧٢.٢ طناً في منطقة اليورو، بما فيها المصرف المركزي الأوروبي، وفقاً لبيانات يناير/ كانون الثاني ٢٠٢١ الصادرة في تقرير من "صندوق النقد الدولي" في مارس/ آذار ٢٠٢١. بينما تحتل الولايات المتحدة المرتبة الثانية عالمياً باحتياطي يبلغ ٨١٣٣.٥ طناً من الذهب، بعد منطقة اليورو. ثم "صندوق النقد الدولي" في المركز الثالث باحتياطي ٢٨١٤ طناً، تليه، روسيا ٢٢٩٥.٤ طناً، الصين ١٩٤٨.٣ طناً، سويسرا ١٠٤٠ طناً، اليابان ٧٦٥.٢ طناً، الهند ٦٧٦.٦ طناً.
بالمقابل فقد باعت كندا جميع مخزوناتها من الذهب. فقد نشرت وزارة المالية الكندية بيانا بتاريخ ٣ مارس/آذار ٢٠١٦، أظهر أن احتياطيات الذهب في البلاد باتت تساوي صفر. فيما صرح المتحدث باسم وزارة المالية ديفيد بارنابي في فبراير/شباط ٢٠١٦: "الحكومة لديها سياسة طويلة الأمد لتنويع محفظتها الاستثمارية من خلال بيع السلع المادية كالذهب، وبدلا من ذلك تتجه إلى الاستثمار في الأصول المالية التي لديها أسواق كبيرة من المشترين والبائعين". من جهة أخرى، فإن هناك تراجع ملحوظ من قبل البنوك حول العالم بشأن استخدام الذهب كاحتياطي. ربما رغبة في الاستفادة من سعره المرتفع. فقد نقلت وكالة نفوستي تقريرا عن البنوك المركزية حول العالم ورد فيه تراجع احتياطات البنوك المركزية العام الماضي، ٢٠٢٢، بمقدار ترليون دولار. وهو التراجع الأضخم منذ بداية الألفية الحالية.
لنلقي نظرة على غطاء الذهب للنقد. فكي يصدر البنك أورقاً نقدية يتم تداولها، يجب على البنك الاحتفاظ بما يعادلها من الذهب. وهذا ما يعرف بالغطاء النقدي الكامل. هناك ما يُعرف بالغطاء النقدي النسبي، وغطاء آخر، يعرف بالغطاء النقدي الجزئي. في حالة الغطاء الذهبي النسبي، يحتفظ البنك المركزي بنسبة من الذهب لا تقل عن نسبة الاحتياطي النقدي من الذهب، ويغطي الباقي بأوراق مالية مضمونة كالأسهم والسندات. فإذا كانت قيمة كيلو الذهب تساوي ٦٠ ألف ريال وإذا حددت الدولة أن نسبة الغطاء النقدي من الذهب لا تقل عن ٢٥%، فإذا أرادت الدولة طرح مليار ريال فأن من الواجب عليها الاحتفاظ ب ٤١٦٧ كيلو ذهب – على اعتبار سعر الذهب الحالي – بخزانة البنك المركزي وتغطية باقي المبلغ الطروح وهو ٧٥٠ مليون ريال من الأوراق المالية المضمونة كالسندات الحكومية وأذونات الخزانة. في النظام الجزئي، يطبق الغطاء النسبي على حد معين من النقود الصادرة. وفي حال اصدار نقود أخرى يجب أن تغطي بالكامل.
هناك ما يعرف بنظام الحد الأقصى للإصدار: وهنا تحدد الحكومة حدا اقصى لكمية النقود التي يمكن للبنك المركزي ان يصدرها ولا يمكنه تجاوزها. دون ان يكون هناك ارتباط بين كمية النقود الصادرة وبين كمية الذهب المتوافرة لدي البنك المركزي. وأخيراً، نظام الإصدار الحر، حيث يسمح هذا النظام بإصدار النقود حسب ما يقره البنك من احتياجات النشاط الاقتصادي من النقد ولا يرتبط ذلك برصيد ذهبي او بأي اعتبارات غير مستوى النشاط الاقتصادي وحاجة الاقتصاد القومي من النقد، وهذا هو النظام السائد لدى كافة الدول تقريباً في الوقت الحالي. في العام ١٩٧٨، تم تعديل النظم الأساسية لصندوق النقد الدولي بحيث لم تعد الدول الأعضاء في الصندوق ملزمة بالتعبير عن عملاتها الوطنية على أساس ما يعادلها من محتوى ذهبي. وعليه، فإن كافة العملات غير مغطاة بالذهب، وليس الدولار الأمريكي فقط. واتفاقية برايتون وودز التي ثبتت الدولار كعملة احتياط لم تعد قائمة على الإطلاق، على الرغم من ذلك، لا تزال بعض البنوك والدول تحتفظ بنسبة من الذهب في احتياطاتها، فألمانيا لديها ٦٦% من احتياطيها من الذهب، بينما الاحتياطي الفدرالي الأمريكي لديه ٧٣% من احتياطيه من الذهب، وهذا بغض النظر عما يصدره الاحتياطي الفدرالي الأمريكي من عملة أمريكية.
وبالنظر إلى جدول العملات الاحتياطية أدناه، ترى أن قوة الدولار تكمن في أن ٦٠% من إجمالي الأصول في العالم يجري تقيمها وتداواها بالدولار، ما جعله مصدر ثقة عالمية، بالإضافة إلى أن مالكي هذه الأصول يهمهم أن يبقى الدولار على القمة، بغض النظر عن جنسياتهم أو أصولهم، لأن هذا من مصلحتهم. خاصة مع غياب عملة قوية موازية، بالإضافة إلى تدهور اقتصادي في كل مكان تقريباً، يجعل من الدولار ملاذاً آمناً. وهذا جعل الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يصدر ما يشاء العملة الأمريكية، إلى حد ما، وإثراء أصدقاء الاحتياطي الفدرالي الأمريكي فقط. إلا أن السحر سينقلب على الساحر، ذلك أن معظم هذه الأموال يتجه إلى الصين للاستثمار هناك.
يظهر الجدول التالي من موقع www.visualcapitalist.com المنشور بتاريخ ٨ ديسمبر ٢٠٢١، العملات الاحتياطية خلال المئة وعشرين سنة الماضية
ECU: وحدة العملة الأوروبية وحدة حساب تستخدمها الجماعة الاقتصادية الأوروبية وتتكون من سلة عملات الدول الأعضاء. بدأ تشغيل وحدة التحكم الإلكترونية في ١٣ مارس ١٩٧٩ وتم تعيين رمز ISO 4217.قبل الانتقال الى عملة اليورو عام ١٩٩٩، بسبب فشل وحدة العملة الأوروبية هذه بضبط أسعار صرف العملات الأوروبية.
حيث يظهر الجدول أعلاه سيادة الجنيه الإسترليني كعملة إحتياط أولى في النصف الأول من القرن الماضي، أتوقع حتى منتصف الخمسينيات. ثم تحولت عملة الإحتياط الدولية الأولى إلى الدولار مع نهاية خمسينيات القرن الماضي.
كيف يتم تحديد سعر العملة
يتم تحديد سعر أي عملة منذ إلغاء اتفاقية بريتون ووردز بإحدى طريقتين. الطريقة الأولى ربط العملات، كما تفعل دول الخليج العربي بالإضافة إلى الأردن، التي تربط عملاتها بالدولار الأمريكي. ومؤخرا ربطت مصر عملتها بالروبل الروسي. وقد لجت روسيا لربط عملتها بعدد من عملات الدول التي تصدر و تستورد منها رغبةً منها في الإستغناء عن التعامل بالدولار، مثل اليوان الصيني والروبية الهندية والليرة التركية وغيرها، ولهذا إيجابيات. فلم تعد مصر بحاجة إلى دفع ثمن مستوراداتها من روسيا بالدولار، حيث يمكن أن تدخر حيازاتها من الدولار لأغراض أخرى.
الطريقة الثانية، وهي المهمة، هي العرض والطلب. ويؤثر على العرض والطلب العديد من العوامل الأخرى مثل معدلات الفائدة، التضخم، تدفق رأس المال، المعروض النقدي، فكلما زاد المعروض النقدي من العملة تراجع سعرها. بالإضافة إلى ذلك قد تؤثر السياسة على سعر العملة مثل ما حصل مع العملة التركية إبان الخلاف مع الولايات المتحدة بشأن قس، حيث أدت المضاربات "المكلفة" على العملة التركية إلى تراجع سعرها.
والسؤال، هل الصين هي المستفيد الفعلي حالياً من اصدار الدولار بكميات هائلة؟ وهل يعتبر هذا عاملاً في سيادة الدولار حتى الآن؟
حسب بيانات البنك الدولي للعام ٢٠٢٠، فقد بلغ الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة في العام ٢٠٢٠ نسبة ١٨.١٪ من إجمالي الإنتاج القومي. منه ٦٠٪ إنتاج عسكري. ما يعني أن الإنتاج للاستخدامات المدنية بلغ ٠.٤x ١٨.١ = ٧.٢٤٪ من ٢١.٠٦ ترليون = ١.٥ ترليون دولار.
بينما بلغ الإنتاج الزراعي الأمريكي ١٪ في تلك السنة، ما يكافئ ٢١٠ مليار دولار.
بينما بلغ قطاع الخدمات نسبة ٨٠.١٪ من إجمالي الإنتاج القومي، ما يكافئ ١٧.٠٦ ترليون دولار.
بلغ الإنتاج الصناعي للاستخدامات المدنية في الصين ٣٠٪ من إجمالي الإنتاج القومي البالغ ١٤.٦٩ ترليون. ما يكافئ ٤.٤ ترليون دولار مقابل ١.٥ ترليون دولار في الاقتصاد الأمريكي.
بينما بلغ الإنتاج الزراعي الصيني ٤.١٪ في تلك السنة، ما يكافئ ٦٠٢ مليار دولار، مقابل ٢١٠ مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي.
بينما بلغ قطاع الخدمات في الاقتصاد الصيني نسبة ٥٦.١٪ من إجمالي الإنتاج القومي، ما يكافئ ٨.٢٣ ترليون دولار مقابل ١٧.٠٦ ترليون دولار في الاقتصاد الأمريكي.
وبالتالي فإن الإنتاج الصناعي والزراعي للاقتصاد الصيني بلغ ٣ أضعاف الإنتاج في الاقتصاد الأمريكي. بالمقابل، فإن قطاع الخدمات في الولايات المتحدة كان أكثر من ضعف مثيله في الصين، بفارق ٨.٨٣ ترليون دولار، وهي أكثر من الفارق بين حجم الاقتصادين العتيدين والبالغ ٢١.٠٦- ١٤.٦٩ = ٦.٣٧ ترليون دولار.
لذا فقد بات الاقتصاد الصيني جزء من سلة غذاء الاقتصاد العالمي، وجزء من حياته الحضرية، التي ليس بوسعه الاستغناء عنها مثل استخدام والثلاجات والغسالات وغيرها من كماليات الحياة اليومية التي يوفرها الاقتصاد الصيني، وليس الأمريكي. لذا فإن هذا مؤشراً لسيادة اليوان الصيني، خاصة إذا جرت مجرى روسيا وطالبت زبائنها باستخدام العملة الصينية لشراء منتجاتها.
أفاد تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) أونكتاد (UNCTAD أن الصين تمتلك ١٦٣ مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر العام ٢٠٢٠، مقارنة بـ ١٣٤ مليار دولار نصيب الولايات المتحدة. فيما استطاعت الولايات المتحدة العام ٢٠١٩ اجتذاب ٢٥١ مليار استثمارات أجنبية مباشرة جديدة، مقارنة بـ ١٤٠ مليار دولار نصيب الصين. والسؤال الجدير بالطرح، ما هي نسبة الاستثمار الأمريكي المباشر في الاقتصاد الصيني؟ الجواب هو، في العام ٢٠٢٠، اجتذبت الصين ١٦٣ مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر، منها ١١٥ مليار من مستثمرين من السوق الأمريكي، أي ما نسبته ٧٠٪ من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر. أما في العام ٢٠١٩، فقد كانت ١٠٥.٦١ مليار من أصل ١٤٠ مليار اجتذبتها الصين من الاستثمار الأجنبي المباشر، جاءت من مستثمرين من السوق الأمريكي، أي بنسبة ٧٥.٤٪ من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين. لذا نستطيع أن نستنتج حجم الفائدة التي تجنيها الصين من تقويم أصولها بالدولار الأمريكي، وأن السيولة اللامحدودة في الاقتصاد الأمريكي نتيجة الشراهة في طباعة الدولار وإصداره لإثراء رجال الاعمال والنخبة الأمريكيين، بناءً على مقبوليته لدى أكثر من ٦٠٪ من المستهلكين في العالم، إنما تصب في مصلحة الاقتصاد الصيني. وكأن الصين تقول للاحتياطي الفدرالي مقولة الخليفة هارون الرشيد للسحابة التي مرت في سماء قصره، أمطري أنا شئت فسيأتيني خراجك بعد حين.
من هنا نستنتج أن محاولة الصين اجراء عملية شراء النفط من المملكة العربية السعودية بالعملات المحلية الريال واليوان، هي محاولات غير جادة، لا تعدو كونها مناورات سياسية مقابل مناورات أمريكا السياسية في تايوان!
ومن ناحية أخرى، فإن نمو سكان الأرض إلى ١٠ مليار نسبة بحلول العام ٢٠٤٠، معظمهم في أسيا وأفريقيا، مع انكماش سكاني في أوروبا وأمريكا لعدة أسباب، على رأسها المثلية والدعاية لها، سيعزز دور الاقتصاد الصيني، حيث سيكون البيئة الاستثمارية المطلوبة عالمياً، لتوفير الكماليات والطعام، بأسعار تنسجم مع الاقتصادات النامية والمنهكة، والتي لا يمكن استثناء الأسواق الاوربية والأمريكية منها. فتُعتبر السلع الصينية أساس القوة الشرائية للعائلات الأوروبية والأمريكية على حد سواء، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين في العام ٢٠٢٢ إلى ٥٨٦ مليار دولار منها ٤٧٠ مليار صادرات صينية، وذلك على الرغم من الحرب التجارية بين البلدين!
من ناحية أخرى، فعلى الرغم من الفرق الشاسع بين حجم الاقتصادين الأمريكي والصيني، حيث يمثل الاقتصاد الصيني تقريبا ثلاثة أرباع حجم نظيره الأمريكي، إلا أن الميزان التجاري الأمريكي مع الصين يميل لصالح الصين منذ بداية الألفية تقريباً. وهذه الظاهرة فقط مع الصين. فلم تستطع الولايات المتحدة على مر عدة إدارات أمريكية متعاقبة من تفادي هذه المشكلة. وتمثل معظم صادرات الصين للولايات المتحدة مستلزمات الحياة اليومية حيث يميل الميزان التجاري لصالح الصين، ما يعني أن الاقتصاد الصيني بات يمثل العمود الفقري للاقتصاد الأمريكي، وأن الاقتصاد الصيني امتدادٌ للاقتصاد الأمريكي. حيث يوفر الاقتصاد الأمريكي السيولة اللامحدودة، ويمثل الاقتصاد الصيني الأصول والإنتاج، فيما يمثل بقية العالم المستهلكين للمنتجات الصينية.
وكما ذكرت، فقد فشلت إدارة ترامب في معالجة هذا القصور الذي يعاني منه الاقتصاد الأمريكي تجاه الصين. ما أدى إلى تحوله إلى حرب تجارية، من خلال فرض ضرائب متبادلة، لم تأت بنتائجها. قامت إدارة بايدن بإلغائها لأن تأثيرها بات عكسياً على المواطن الأمريكي.
وفي خضم هذه الحرب التجارية بين الشركاء الأمريكيين والصينين، يلجأ الاحتياطي الفدرالي إلى رفع الفائدة مرة بعد مرة، حتى وصلت إلى حد ٤.٧٥٪، ما أدى بإيلون ماسك إلى التصريح يوم ٢٧ يناير ٢٠٢٣، بأن الاحتياطي الفدرالي قد يدمر سوق الأسهم، حيث أشار إلى أن معدلات الفائدة قريباً من متوسط العائد لدى مؤشر S&P500 في حال وصلت ٦٪. لذا فإنه حري بالمستثمر أن يودع أمواله في سندات الخزينة ويتلقى عليها عائد ٦٪ أفضل من الاستثمار في سوق الأسهم، حيث لن يجني هذا القدر من الربح. وقد نقلت أرقام الخبر، وعلقت عليه، لمصلحة من انهيار سوق الأسهم؟
وعلى الرغم من ادعاء الاحتياطي الفدرالي أن رفع سعر الفائدة للحد من التضخم، إلا أني لا أتفق مع هذه النظرية، ذلك أن التضخم سببه تعطل سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب بأوكرانيا، وليس بسبب خلل في العرض والطلب، الذي يمكن إصلاحه برفع الفائدة!
حسب رأيي، فإن الاحتياطي الفدرالي يحاول سحب السيولة من السوق العالمي، ضمن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي باتت خارجة عن السيطرة، بدليل العجز الأسطوري في الميزان التجاري الأمريكي تجاه الصين، ٤٧٠ مليار صادرات صينية للولايات المتحدة مقابل ١١٦ صادرات أمريكية للصين.
على الأرجح أننا أمام سيناريو انهيار أسواق الأسهم عام ١٩٩٧ في جنوب شرق أسيا، أو ما عُرف باسم نمور أسيا. حيث أدى "غياب" السيولة النقدية إلى انهيار تلك الأسواق الواحدة تلوى الأخرى. وعلى الرغم من أن الهدف من تلك الضربة، كما يبدو لي، استهداف الصين، الذي كان من المتوقع أن تهب لنجدة زبائنها، إلا أنها قررت الاهتمام بأسواقها، ولم تهب لنجدة أحد، وتركتهم يتساقطون الواحد تلو الأخر واحتفظت لنفسها بسيولة الدولار.
لكن سيناريو ٢٠٢٣ سيؤدي إلى سحب السيولة من السوق مقابل تدمير أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم، ذلك أن الانهيار الذي سيصيب أسواق الأسهم الأمريكية، سيصيب أسواق المال حول العالم كافة، حيث ترتبط بها كافة أسواق العالم، ولعل أزمة الرهن العقاري أكبر دليل على ذلك.
إن توقعي أن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يهدف من رفع الفائدة والاستمرار في ذلك إلى سحب السيولة من سوق الأسهم الأمريكي، تمهيداً لانهياره لضرب الاقتصاد الصيني، الذي سينهار بالتأكيد بسبب غياب السيولة التي سيعاني منها بسبب انهيار أسواق الأسهم حول العالم.
إنه مخططٌ رهيب، يعبر عنه المثل الشائع "علي وعلى أعدائي". لكن ما لم يخطر ببال الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، أن هذا الانهيار سيؤدي قطعاً إلى انهيار الدولار كعملة احتياط بعد انهيار أسواق الأسهم حول العالم. وباعتبار أن الأصول والإنتاج موجود في الصين، فستخرج الصين من هذا الزلزال المدمر بأقل الخسائر. بالمقابل، لن يثق أحد بعد ذلك بالدولار الأمريكي، وسنشهد مرحلة فوضى ما بعد عصر الهمبرجر.
عصر الهمبرجر
توارثت الشعوب التي احتلتها بريطانيا الكثير من العادات البريطانية المختلفة. فعلى سبيل المثال، توارثت شعوب الهند وباكستان وأستراليا لعبة الكريكت. كان هناك عادة توارثتها كافة الشعوب التي احتلتها بريطانيا وهي عادة شرب الشاي عصراً. لذا أصطلح على تسمية العام ١٩٥٦ الذي خسرت فيه بريطانيا معركتها في حرب السويس بنهاية عصر شرب الشاي عصراً. ومع بدء عصر الهيمنة الأمريكية، انتشرت الأطعمة السريعة التي جاءت من عادات المجتمع الأمريكي، فاصطلح البعض على تسميته بعصر الهمبرجر. فهل يشهد العام ٢٠٢٣ نهاية عصر الهمبرجر؟!
ودمتم.
موضوعك الأول كان ثقافي تعليمي مقبول --بعده دخلت في أمور تخمس وتسدس فيها --وكأنك تقول للفيدرالي كفايه رفع سعر الفايده و أرفعي سوق الأسهم ---
مشكور على الرأي بشأن المقال الأول والثاني ... المثال الثالث سيكون عن تقييم الحالية الصحية للسهم، أرجو أن يكون عند حسن الظن
مقال غني بالمعلومات تشكر على الجهود القيمة .. أما مسألة انهيار أمريكا وما شابه ذلك من توقعات تدهور الدولار وما إلى ذلك فهو كلام يتكرر بين الحين والآخر، بينما الحقائق الناصعة أمام الجميع أن الدولار قوي ومتماسك.. قبل أشهر تجاوز الدولار 150 ين، وقس على ذلك.
لم أتحدث عن إنهيار امريكا... الأسترليني كان عملة الإحتياط لأكثر من نصف قرن، ولم تنهار بريطانيا بخسارة الجنيه الاسترليني مكانته. فحوى مقالي هذا انه الاقتصاد الصني بات امتداد للاقتصاد الامريكي، من جهة، من جهة أخرى هناك شجار عنيف بين الشركاء يظهر على شكل رفع الفائدة من قبل الاحتياطي الفدرالي ... والسيناريو يشبه ازمة نمور اسيا عام 1997.. ارتفاع سعر الدولار دمر الاقتصاد الداخلي ... تضخم غير مسبوق داخل أمريكا بغض النظر عن الأرقام المعلنة... وشكرا على التعليق