التقيت أحد أصدقائي – كان طالباً لدي، حيث كنت أُدرس مواد التحليل الكمي Ecometrics لطلاب ماجستير إدارة الأعمال – مدير منصة تداول رقمية قبل فترة وسألته عن المنصة التي يديرها، وعن سوق الأسهم بشكل عام. فأجاب المنصة بخير، تكسب على كل عملية بيع وشراء، أما المتعاملين فأكثر من ٩٦٪ منهم يحققون خسائر. كما سمعت أراءً مماثلة من مدراء منصات تداول أخرى حول العالم، هناك العديد من المقالات والدورات التي تعالج مواضيع الخبرة والمهارات التي يجب أن يتحلى بها مشتريي الأسهم، سواء للمضاربة أو الاستثمار. كما أن هناك العديد من الأدوات التي توفرها المنصات للتنبؤ بسعر السهم فيما إذا كان سيرتفع أو سينخفض وحجم الارتفاع والانخفاض. ومؤخراً، هناك العديد من أدوات ما يُسمى الذكاء الصناعي التي تساهم في مساعدة الخبراء الماليين على تقديم النصائح المثمرة للمساهمين، وبغض النظر عن هذا وذلك، فإن سأتحدث اليوم عن أداتين رياضيتين تشكلان معاً الأساس لكافة هذه الأدوات على الإطلاق، ثم أقدم نصحتني للمستثمر والمضارب من خلال تجربة متواضعة، فيما مضى، في سوق نيويورك للأوراق المالية NYSE.
الأداة الأولى هي حساب الارتباط، correlation. الارتباط هو مصطلح إحصائي يصف الدرجة التي يتغير بها سعر سهمين، أو أكثر، بالتنسيق مع بعضهما البعض، بغض النظر عن قطاعات هذه الأسهم، وبغض النظر عن أوجه الشبه والاختلاف فيما بينها. إذا كان سعرا السهمين يتحركان في نفس الاتجاه، فيقال إن لهذين السهمين علاقة إيجابية. إذا تحركا في اتجاهين متعاكسين، فإن لديهما علاقة سلبية. فمثلاً يرتفع سعر البترول إذا انخفض سعر الذهب، لذا فالعلاقة سلبية. Oil and Gold are negatively correlated. كما نلاحظ أن العلاقة سلبية بين سعر البترول وكل من الدولار الأمريكي واليورو. بالمقابل هناك علاقة إيجابية بين أسعار صرف الدولار الأمريكي واليورو وسعر الذهب، لكن بدرجة أقل. لذا فبوسع المستثمر استخدام حساب الارتباط correlation الموجود في برنامج Microsoft Excel، وذلك بإدراج أسعار الأسهم المختلفة على مدى فترات زمنية طويلة نسبياً، ثم استخدام حساب الارتباط correlation ليرى مدى ارتباط هذه الأسهم ببعضها البعض. وعليه، فإن منصات التداول التي تستخدم حساب الارتباط correlation تتنبأ بارتفاع سعر سهم ما أو انخفاضه بناءً على معرفتها بارتفاع سعر سهم أخر شديد الارتباط به. فمثلاً، عندما يرفع الاحتياطي الفدرالي نسبة الفائدة على الدولار الأمريكي، سيؤدي هذا إلى ارتفاع سعر الدولار وبالتالي ستتنبأ منصة التداول بانخفاض سعر النفط. لذا، فمن المرجح تقديم النصيحة لحاملي أسهم شركات النفط ببيعها قبيل رفع الاحتياطي الفدرالي نسبة الفائدة على الدولار الأمريكي، ثم إعادة شرائها في اليوم التالي، بسعر أقل.
الأداة الثانية هي حساب الانحدار regression. الانحدار هو مصطلح إحصائي يصف الدرجة التي يتغير بها سعر سهمين، أو أكثر، تربط بينهما صفتين أو أكثر. إذا كان سعرا السهمين يتحركان في نفس الاتجاه، فيقال إن لهذين السهمين علاقة إيجابية. إذا تحركا في اتجاهين متعاكسين، فإن لديهما علاقة سلبية، حيث تكون نتيجة حساب الانحدار معادلة بها متغيرين أو أكثر. حيث يمثل كل متغير الصفة التي تربط بين هذين السهمين. مثل سهم سيارة جنيرال موتورز وسهم سيارة جي ام سي. حيث يرتبط السهمين بأنهما ينتجان سيارات. كما أن منتجات السهمين تتأثر بعوامل متشابهة لجهة الاستخدام، والاستهلاك، وعوامل التشغيل، وغيرها. وبوسع المستثمر استخدام حساب الانحدار regression الموجود في برنامج Microsoft Excel، ولكل أداة من هاتين الأداتين نقاط ضعفها وقوتها، وحدود أدائها.
وتُعتبر هاتين الأداتين حساب الارتباط وحساب الانحدار هما أساس كافة الأدوات والبرامج وبرامج الذكاء الصناعي المتوافرة في الأسواق المالية التي تحاول التنبؤ بسلوك الأسهم. وأعود إلى ما بدأت به مقالي هذا، هذه أدوات التحليل الكمي، أو ما يُسمى quantitative analysis. ومن خلال خبرتي في سوق الأسهم، يمكن أن تساهم أدوات التحليل الكمي بما لا يزيد عن ٣٠٪ من القدرة على تخمين سعر السهم وسلوكه بشكل عام، على الرغم من أن أدوات التحليل الكمي تُدرس كمادتين لطلاب الماجستير في إدارة الأعمال، في عدد من الجامعات حول العالم.
لذا فإن تجربتي العملية تقتضي أن ٧٠٪ من القدرة على تخمين سعر السهم وسلوكه تكمن في التحليل الكيفي، أو ما يُسمى qualitative analysis. بكل بساطة، قبل فترة بسيطة صرح ايلون ماسك بأن شركة تسلا ستخفض عدد موظفيها ١٠٪ ما أدى إلى تراجع سهم تسلا على الفور. بالتأكيد، فإن ماسك تشاور مع مستشاريه، هكذا أتوقع، قبل هذا التصريح. لذا صار بإمكان المساهمين المطلعين على تصريح ماسك قبل صدوره أن يبيعوا أسهمهم في تسلا قبل صدور تصريح ماسك، ثم يشتروها في اليوم التالي بسعر أقل، بعد هبوط سعرها نتيجة تصريحه بنية خفض الموظفين. طبعاً، هذا سيناريو افتراضي، وربما أنه غير موجود، لكن ليس بوسع أدوات التحليل الكمي، حساب الارتباط وحساب الانحدار، تخمينها. لا بل إن انخفاض سعر سهم تسلا نتيجة هذا التصريح يجب ألا تُأخذ بعين الاعتبار لدى حساب الارتباط وحساب الانحدار. ذلك أن أدوات التحليل الكمي تحلل أسعار الأسهم حسب قانون العرض والطلب.
التواصل "الاجتماعي" بين المساهمين ومجلس الإدارة، يُعتبر أهم أدوات التحليل الكيفي. فعندما تسعى كثير من الشركات لضم مستثمرين جدد، عن طريق شراء هؤلاء المستثمرين لأسهم في هذه الشركات، تكون هناك مفاوضات سرية خلف الأبواب المؤصدة بإحكام، بشأن السعر الذي سيتم الشراء عنده. وعند الاتفاق، تطلق إدارة الشركة تصريحات تؤدي إلى تراجع سعر السهم للحد المستهدف، كي يتسنى للمستثمرين الجدد الشراء عند السعر المتفق عليه. وهنا تكمن أهمية التواصل بين المساهمين ومجلس الإدارة، ومن الصعب حصول هذا التواصل بدون أن يكون المستثمر مؤثراً أو ما يُسمى active owner. وحيث يتعذر على أدوات التحليل الكمي، حساب الارتباط وحساب الانحدار، تخمين نتيجة المفاوضات السرية خلف الأبواب، يتحول صغار المستثمرين إلى أسماك لذيذة على موائد كبار الحيتان في هذه الشركة أو تلك، لذا، فإني أقدم النصائح التالية من خلال خبرتي الأكاديمية وتجربتي العملية المتواضعة في سوق الأسهم:
1. البعد عن الأسهم التي تتغير أسعارها لمجرد تصريح، مثل تصريحات ماسك. فأسعار أسهم هذه الشركات لا تخضع لقوانين العرض والطلب. الحذر مطلوب عندما تكون هناك مناجشة مباشرة أو غير مباشرة تؤثر على سعر السهم! شراء هذه الأسهم كمن يحاول ركوب الأمواج العاتية وهو لا يجيد السباحة. فحتى المهرة في ركوب الأمواج العاتية، أحياناً يدفعون حياتهم ثمن سوء تقديرهم.
2. الاستثمار الجماعي. شراء أسهم مع مجموعة المساهمين "المتحالفين" والمتفقين فيما بينهم، بحيث تسيطر المجموعة على أكبر قدر من أسهم الشركة/ الشركات، بحيث يكون لهذه المجموعة وزن يسمح لها التحكم بسعر السهم/ الأسهم، والاطلاع على ما يدور خلف الأبواب المغلقة!
3. أن يحترم المستثمر ميزانيته. فإذا كانت ميزانية المستثمر ١٠٠ ألف دولار، فشراؤه أسهم في شركة قيمتها السوقية مليار دولار، يجعل منه سمكة صغيرة مؤهلة أن تكون طعام للحيتان الذين يملكون مثلاً ٢٥٪ من أسهم هذه الشركة أو أكثر.
4. سلسلة الاستثمار. عند شراء مستثمر أو مستثمرين أسهم في شركة ما، فمن الحكمة أن يستمروا في شركات تشتري منتجات الشركة الأولى. فعند شراء أسهم في شركات أدوية مثلاً، من الحكمة شراء أسهم في مجموعة صيدليات تشتري الأدوية من ذات شركات الأدوية التي استثمرت بها. وهذا يسمح بنوع من التواصل الاجتماعي بين إدارات الشركات ومستثمريها.
5. يد واحدة لا تصفق. شراء بعض الأسهم في شركة ما، ثم الرقود عليها على أمل أن تفقس صيصاناً، يؤدي إلى ضياع هذه الأسهم. وعليه، لدى شراء المستثمر / المستثمرين أسهماً في شركة ما، يجب أن يداموا على متابعة أنشطتها، والتي من خلالها يمكن أن يتنبؤوا بقرارات مجلس الإدارة المستقبلية، والتي حتما ستأثر على سعر سهم تلك الشركة.
6. أسعار أسهم أي شركة تتآكل مع الزمن إذا لم تطرح الشركة منتجات جديدة. وينطبق هذا على معظم الشركات العقارية. لذا، ففي الغالب، قيمة موجودات هذه الشركة تكون أكبر من قيمة مجموع أسهمها. في هذا النوع من الشركات يجب أن تركز على توزيع الأرباح بشكل دوري، وهل استرددت ما استثمرته فيها، والا فإنه قد حان الوقت للتخلص من هذه الأسهم. ودمتم.
خاص_الفابيتا
شكرا على المقال القيم .. وفقك الله .
معلومات قيمة و مفيدة جدا. شكرًا على الجهد.
جميل طرح رصن مختلف للفت
كلام جميل ومقال قيم.. بخصوص التعامل مع الترابط والانحدار كماذكر الكاتب، هناك مجال كبير معروف عند المضاربين والمتداولين اليوميين هو التداول الثنائي pairs trading ويوجد منصات خاصة به ويقدم كذلك من قبل كثير من الوسطاء المعروفين، وفكرته الاستفادة من الترابط بين سهمين من خلال الشراء والبيع على المكشوف.. وهذا يختلف عن شيء آخر يسمى الخيارات الثنائية.
الخيارات الثنائية تعتمد في تخمين سعر السهم المستقبلي بناءً على تحليل أو تحاليل مسبقة. لذا فإن عامل التحليل الكيفي قد يدخل هنا. طبعاً هناك مخاطرة عالية، ذلك أن المستثمر يعتمد على سمعة جهة تخمين السعر، وأنها بالعادة تقدم تخمينات صحيحة.
شكراً لجميع التعليقات