رغم المؤشرات الإيجابية التي تظهرها مؤخراً بيانات أسعار المستهلكين في العديد من الدول المتقدمة، إلا أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان التضخم قد تم ترويضه، ومع ذلك، يظهر لنا درسان واضحان، الأول، أن النماذج القياسية السائدة والتي تفترض أن الاقتصاد دائمًا في حالة توازن باتت عديمة الفائدة، والثاني، أن المحللين الذين أكدوا بثقة أن الأمر سيستغرق خمس سنوات من الألم لانتزاع التضخم ثبت فشلهم تماماً، لأن التضخم بدأ بالتراجع التدريجي، هناك أدلة دامغة على أن المصدر الرئيسي للتضخم كان صدمات العرض المرتبطة بالوباء والتحولات في نمط الطلب، وليس زيادة الطلب الكلي، وبالتأكيد ليس أي طلب إضافي ناتج عن الإنفاق الوبائي، ولهذا، فإن أي شخص كان على ثقة باقتصاد السوق يعلم أن مشكلات العرض ستحل في نهاية المطاف.
لكن لا أحد يستطيع أن يعرف متى، ولأننا لم نتحمل اغلاقًا اقتصاديًا مدفوعًا بالوباء أعقبه إعادة فتح سريع، فقد ثبت لدينا أن النماذج الاقتصادية المستندة إلى الخبرة السابقة أثبتت أنها غير ذات صلة، ومع ذلك، فإن التخلص من اختناقات العرض يعد عاملًا مضادًا للتضخم، ورغم حدة المواجهة بين التضخم والفيدرالي، فإن رفع أسعار الفائدة يمكن أن يضر أكثر مما ينفع، فهي أكثر تكلفة على الأسر والشركات، أدى تشديد السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي بالفعل إلى تقليص بناء المساكن، على الرغم من أن المزيد من العرض هو المطلوب لخفض تكاليف الإسكان، أحد أكبر مصادر التضخم، وعلاوة على ذلك، قد يقوم العديد من المطورين العقاريين بتمرير التكاليف المرتفعة إلى المستأجرين، أما في أسواق البيع بالتجزئة والأسواق الأخرى، فإن رفع الفائدة يمكن أن تؤدي إلى زيادات الأسعار، وتحفيز الشركات على تدوين القيمة المستقبلية للعملاء المفقودين مقارنة بالمزايا الحالية للأسعار المرتفعة، صحيح أن من شأن الركود العميق ترويض التضخم.
ولكن يبدو أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملاؤه يغامرون ضد الاقتصاد الأمريكي المهدد بالركود، وفي الوقت نفسه، فإن أصدقائهم في مجال الخدمات المصرفية يجنون المزيد من المكاسب، لأن قيام الاحتياطي الفيدرالي بدفع فائدة 4.4٪ على أكثر من 3 تريليونات دولار من أرصدة الاحتياطي البنكي يحقق لهؤلاء الأصدقاء عائدًا منتظمًا يزيد عن 130 مليار دولار سنويًا، لتبرير كل هذا، يشير بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى البعبع المعتاد وهو التضخم الجامح، ودوامة أسعار الأجور، وتوقعات التضخم، لكن الحقيقة أن التضخم ينخفض، بينما تتزايد الأجور بشكل أبطأ من الأسعار، بمعنى عدم حدوث دوامة، فيما تظل التوقعات تحت السيطرة، لأن معدل التوقع الآجل لخمس سنوات والذي يحوم فوق 2٪ غير مؤكد، والواقع، أن التضخم كان مدفوعًا بشكل أساسي باضطرابات العرض والتحولات في نمط الطلب، ومع حل هذه القضايا، من المرجح أن يستمر التضخم في الانخفاض، ومن السابق لأوانه أن نحدد بدقة متى يتم ترويض التضخم بالكامل، ولا أحد يعرف ما هي الصدمات الجديدة التي تنتظرنا، إلا أنه يمكن تسريع التعافي من التضخم عبر تخفيف قيود العرض، فهذا أفضل من التدابير ذات التكاليف المرتفعة والمستمرة وعبر فوائد مشكوك فيها.
خاص_الفابيتا
مشكور على المقال، لو تشرح العبارة التالية ومدى صحتها؟ لأن قيام الاحتياطي الفيدرالي بدفع فائدة 4.4٪ على أكثر من 3 تريليونات دولار من أرصدة الاحتياطي البنكي