تصحيح سريع أم انهيار؟

06/04/2025 1
د. فهد الحويماني

يتمحور قلق المستثمرين في أسواق الأسهم عادة حول طبيعة نزول الأسعار، وإلى أي مدى ستصل، وما طول فترة ما قبل التعافي، وذلك على أمل أن يكون التعافي على شكل حرف "V"، أو على الأقل حرف "U"، والخوف دائماً أن يأتي على شكل حرف "L"، أي بنزول سريع وبقاء في القاع لفترة طويلة. هذه الأيام تواجه الأسواق الأمريكية هبوطاً عنيفاً على جميع المستويات، فالنزول يشمل جميع القطاعات وجميع المؤشرات، بل إن النزول امتد إلى أسواق أخرى، ولا تزال التفاعلات مستمرة، فهل يمكننا الخروج بتصور مفيد عن طبيعة هذه التراجعات، وما إذا كان هناك فارق بين ما يمكن تسميته بالتراجعات الناتجة عن قرارات معينة ومحددة، والتراجعات الناتجة عن عوامل اقتصادية؟

يبدو أنه عندما يكون تراجع أسعار الأسهم نتيجة تحولات اقتصادية كبيرة أو أزمات مالية عميقة فإنه يأتي على شكل U أو L فيستمر النزول ببطء وتنخفض الأسعار بنسبة كبيرة، بينما حين يكون المتسبب في التراجع قرارات محددة سياسية أو حكومية أو غيرها فإن التراجع يكون سريعاً والعودة تكون سريعة، ومن أمثلة النوع الأخير هذا ما رأيناه في 2020 نتيجة التسرع في ردة الفعل تجاه تأثير فيروس كورونا، مأ أربك الأسواق وأدى إلى تراجع المؤشرات الرئيسية على الفور بنسب تجاوزت 20%، ثم حدث التعافي السريع كذلك هو الآخر بقرارات محددة نتج عنها خفض معدلات الفائدة إلى قرب الصفر.

ولو عدنا إلى الماضي السحيق فسنجد عدة حالات كانت التراجعات فيها عميقة وطويلة ومسبباتها كانت اقتصادية جوهرية، سواء تلك الفقاعة الخاصة بقطاع سكك الحديد قبل نحو 150 عاماً أو الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي أو انهيار الأسواق نتيجة مقاطعة أوبك في 1973، أو لاحقاً فيما عرف بفقاعة الإنترنت في 2000، ثم الأزمة المالية 2008، وغيرها، وجميع هذه التراجعات كانت لأسباب اقتصادية جوهرية، ربما المختلف فيها كان تراجع 1973 حيث كان وقتها قراراً فردياً من منظمة أوبك، ولم يأت التعافي حينها سريعاً، بل امتد لعامين، وكذلك أزمة النمور الآسيوية 1997 التي كان التراجع فيها حاداً ومسبباته اقتصادية ومالية، لكن التعافي كان سريعاً إلى حد كبير.

تراجعات هذه الأيام تذكرنا بانهيار الأسواق بنهاية 2018 بنسب تجاوزت 20% حيث كان المتسبب فيها ذاك الوقت هو الرئيس ترمب نفسه الذي كان طيلة 2018 يشن حرباً تجارية على الصين، بدءاً بتعريفة كبيرة على صناعة ألواح الطاقة الشمسية ثم ألحقها بتعريفة على الحديد والألمنيوم وغيرها من معدات صينية، بحجة انتهاك حقوق الملكية الفكرية، ثم تصاعدت حدة التعريفة لتشمل جملة من المنتجات الصينية، إلى أن بدأت تنهار الأسواق بقوة. ففي تلك الحالة كان الانهيار نتيجة قرارات فردية، وهو ما نراه اليوم من قرارات مشابهة وإن كانت أكثر حدة واتساعاً مما قبل، إلى جانب أنه في 2018 كانت هناك قرارات متتالية من الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، كضرورة حتمية للابتعاد عن معدلات الفائدة الصفرية التي كانت مستمرة منذ 2008.

لا شك أن المقارنة بالماضي ليست دائماً سهلة ولا يمكن الاعتماد عليها تماماً لأن الظروف دائماً ليست واحدة، ولا يمكن دراسة هذه الظواهر دون وضعها في سياقها الصحيح، حيث إن للعوامل الاقتصادية دورا كبيرا في طبيعة التراجعات حين تحدث، ومع ذلك الأسواق لا تحبذ القرارات الارتجالية أو الموجهة، وإذا تفاعلت معها يأتي تأثيرها قصير الأمد، ولذا يحدث التعافي السريع. وقت كتابة هذا المقال التراجعات مستمرة، والمتسبب الرئيسي فيها لا شك أنه برنامج التعريفة المعلن من إدارة الرئيس ترمب، ولمعرفة هل التعافي سيكون سريعاً أم لا، فهذا يعتمد على ما إذا كانت التعريفات المقرة مؤقتة، وإن لم تكن كذلك فكيف ستتأثر بيانات الناتج المحلي القادمة، وما تأثير ذلك في سوق العمل والبطالة، وماذا عن جهود البنك الفيدرالي لخفض أصوله والسيطرة على التضخم، أي إننا لن نعلم حقيقة التراجعات وطول مدتها على الفور، بل سنحتاج إلى مراقبة المؤشرات الاقتصادية للتأكد من عدم تضررها بشكل كبير، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد لا يأتي تعافي حرف V إلا نتيجة قرار آخر يعكس مفعول قرار فرض التعريفات وتأثيراتها السلبية في الأسواق.

 

 

نقلا عن الاقتصادية