ربما يعجب المؤرخون الماليون المستقبليون، إذا نظروا للعقد الأول من القرن الحالي، من زاوية أن الناس اعتقدوا بقاء أسعار الفائدة بالقرب من الصفر للأبد، حتى أن خبراء اقتصاديون بارزون نشروا مقالات في عام 2021، حملت عناوين مثل: "الصفر: لماذا ستبقى أسعار الفائدة منخفضة"، فقد كانت تكاليف الاقتراض تتراجع منذ عقود، إلا أن الأزمة المالية العالمية في 2008، ووباء كورونا حركا المياه الراكدة بشكل دائم.
في عام 2022، أدى التضخم المرتفع المستمر إلى فك شفرة أسعار الفائدة، حينما شرع الاحتياطي الفيدرالي في تطبيق أسرع دورة تشديد له منذ الثمانينيات، ورفع النطاق المستهدف لسعر الفائدة القياسي بأكثر من أربع نقاط مئوية، وتبعته البنوك المركزية الأخرى، وعموماً، فإن الأسواق تتوقع توقف أسعار الفائدة عن الارتفاع في عام 2023، حيث تتراوح الذروة بين 4.5٪ و 5٪ في بريطانيا وأمريكا، و 3٪ و3.5٪ في منطقة اليورو، لكن احتمالات انهيارها إلى لا شيء ضئيلة، حيث يعتقد محافظو بنك الاحتياطي الفيدرالي، على سبيل المثال، أن سعر الفائدة سينتهي عام 2023 فوق 5٪، قبل أن يستقر عند 2.5٪ على المدى الطويل، وهذا يعني فعلياً انتهاء عصر المال الرخيص.
إذا كانت الأسواق الصاعدة لا تموت من الشيخوخة، فإنها تقتل على يد البنوك المركزية، وهذا ما شاهدناه في عام 2022، والواقع، أن رأس المال لم يكن رخيصًا فقط في السوق الصاعدة خلال السنوات الأخيرة، بل كان على ما يبدو في كل مكان، إذ أن برامج التيسير الكمي للبنوك المركزية، التي وُضعت لتحقيق استقرار الأسواق، قد تجاوزت طاقتها أثناء الوباء، عندما ضخت البنوك المركزية في أمريكا وبريطانيا ومنطقة اليورو واليابان أكثر من 11 تريليون دولار.
عموماً، فقد ازدهرت موضة شراء الديون منذ بداية العقد وحتى عام 2007، عندما أصدرت الشركات الأمريكية 100 مليار دولار من الديون ذات العائد المرتفع، أو غير المرغوب فيها وهى الأكثر خطورة، وقد بلغت هذه الإصدارات في عام 2021 حوالي 486 مليار دولار، وانخفضت هذا العام بمقدار ثلاثة أرباع، عندما وضع الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا برامج شراء السندات في الاتجاه المعاكس؛ فيما يستعد المركزي الأوروبي لذات الإجراء.
ببساطة، فإن السيولة آخذة في التلاشي، ونحن فعلياً باتجاه نهاية محفوفة بالمخاطر لسوق الديون، وعلى سبيل المثال، فإن عمليات الاكتتاب العام في الولايات المتحدة مهيأة لتسجيل أدنى مستوياتها منذ عام 1990، كما انخفضت عمليات الاندماج والاستحواذ، وإن كان ذلك بشكل أقل حدة، وبهذا تحولت وفرة رأس المال إلى ندرة رأس المال، ونعتقد أن نهاية عصر الأموال الرخيصة ستقضي على آفاق النمو لدى المستثمرين، وستجبرهم على تفضيل الأرباح الفورية على المستقبل البعيد.