قدم عام 2022 للمستثمرين عدة معضلات تكفي لإفلاس الكثيرين، وعلى سبيل المثال، الأسواق الهابطة التي دمرت ثروة بـ 22 تريليون دولار، وأعلى مستوى للتضخم في 4 عقود، وبزوغ عصر البنوك المركزية المتشددة، والغزو الروسي لأوكرانيا، والانتخابات المتوترة التي أفرزت عدم اليقين السياسي والاقتصادي، وانهيار العملات المشفرة، ولا شك أن الآمال معقودة على أن تتغير بعض هذه الديناميكيات الكارثية في عام 2023، وأن تظهر أخرى جديدة ومختلفة عن العاميين الماضيين.
من المرجح أن يؤدي الارتفاع السريع في أسعار الفائدة حول العالم، باستثناء الصين واليابان، إلى انكماش اقتصادي حاد، لا سيما في الولايات المتحدة وأوروبا والمملكة المتحدة، وقد يتباطأ النمو العالمي إلى 2.7٪ العام المقبل، وهذه أضعف وتيرة منذ عام 2001، بينما من المتوقع أن يظل الناتج المحلي الإجمالي العالمي حوالي 3.2٪ في عام 2022، منخفضًا من 6٪ في عام 2021 بفعل التعافي من التداعيات الاقتصادية للوباء.
يتوقع ركود الاقتصاد الأمريكي أوائل عام 2023 ويستمر حتى الربع الثالث على الأقل، ونعتقد أن عمق ومدة الركود في الولايات المتحدة هو المجهول الكبير، ولكن إذا كان هناك جانب إيجابي، فهو أن الشركات والمستهلكين تمتعوا برؤوس أموال أفضل في عام 2022 مما كانوا عليه في عام 2008، إبان الأزمة المالية العالمية، وهذه الملاءة المالية تؤهلهم للتعامل مع آثار الانكماش الاقتصادي.
وإذا دخل الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، فسيكون ذلك غير معتاد بالنظر إلى أن البطالة منخفضة تاريخيًا عند 3.7٪، في الوقت الذي رفع فيه الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة ست مرات في عام 2022، وبالنظر إلى هذه الديناميكيات، فإن القطاعات الأكثر تأثراً هي التكنولوجيا والإنفاق الاستهلاكي في قطاعات الطاقة، والرعاية الصحية، والمرافق، بشرط أن يكون الانكماش قصيرًا نسبيًا، وقد تثني تكاليف الاقتراض المرتفعة الشركات والمستهلكين عن الاقتراض والإنفاق، وخاصة في سوق الإسكان، حيث تراجعت المبيعات الجديدة، وتصاريح البناء، وإعادة التمويل، وأسعار المنازل في معظم المدن على مدار العام، وتضاعف معدل الرهن العقاري.
في ذات السياق، أدت زيادات أسعار الفائدة إلى عكس المكاسب التي تحققت في سوق السيارات، حيث زادت أسعار قروض السيارات الجديدة والمستعملة بأكثر من الضعف، في المقابل، يحصل المدخرون ومن يعيشون على دخل ثابت على عائد أكبر على أموالهم، والسندات الحكومية قصيرة الأجل تقدم عائدات حقيقية للمستثمرين والمدخرين، مما يوفر بعضًا من المقاومة ضد التضخم وسوق الأوراق المالية الضعيف.
ليس مفاجئًا أن قطاع الطاقة هو الأفضل أداءً في عام 2022، بينما ظل الدولار القوي ملاذًا للمستثمرين، بعدما تشبثوا به وسط انخفاض أسعار الأسهم، وأدى وزن الدولار المرتفع إلى خفض أرباح الشركات الأمريكية التي تعتمد على الصادرات، لكنه أيضاً، عاقب شركاء أمريكا التجاريين، لأن ديونهم التريليونه مسعرة بالدولار، وينبغي أن يتوقع مستثمرو الأسهم استمرار هذا الاتجاه، وسيعطي ارتفاع أسعار الفائدة واحتمالية الركود الدولار قوة هائلة خلال النصف الأول من عام 2023 على الأقل.
يتوقع حدوث ركود تضخمي بسبب تباطؤ النمو وارتفاع البطالة، وهذه أمور مخيفة للمستثمرين، والمستثمرون اليابانيون يعرفون ذلك جيدًا، فقد بدأ العقد المفقود في اليابان عام 1991، ولكنه استمر ثلاثة عقود، وكانت المرة الأخيرة التي عانى فيها الاقتصاد الأمريكي الركود التضخمي خلال سبعينيات القرن الماضي، حيث أدى تضخم مكون من رقمين وأزمة طاقة هائلة إلى دخول الاقتصاد في ركود عميق، وانهيار سوق الأسهم، بينما تعافت المخزونات في نهاية السبعينيات.
إذا حدث ركود للبورصات عام 2023، فمن المحتمل أن تستمر أسهم القيمة في التفوق على النمو، حيث تتصدر قطاعات السلع الأساسية، والمالية، والرعاية الصحية، والمرافق، والطاقة، فهي السلحفاة بالنسبة لأرنب مخزون النمو، وقد تحمل عبء عوائد سوق الأسهم في عام 2023، ولكن، الخبر السار للمستثمرين هنا هو أنه عند الخروج من السوق الهابطة، فإن متوسط مكاسب 12 شهرًا قد تقترب من 40٪، وبهذا تعوض خسائرها السابقة.