آثار تراجع التمويل العقاري على سوق الإسكان

30/11/2022 2
عبد الحميد العمري

أسهم النمو القياسي للتمويل العقاري الممنوح للأفراد خلال الفترة من مطلع 2019 حتى ما قبل منتصف العام الجاري "ارتفع بـ179 في المائة خلال 2019، ثم بـ84.4 في المائة خلال 2020، ثم بـ0.6 في المائة خلال 2021، وتراجع 17 في المائة خلال أول عشرة أشهر من 2022"، وتجاوز إجمالي ما تم ضخه من قروض عقارية للأفراد خلال تلك الفترة سقف 0.5 تريليون ريال، كل ذلك أسهم في زيادة النشاط العقاري عموما والقطاع السكني تحديدا، وقفز في الوقت ذاته بمستويات الأسعار بمعدلات قياسية، وأوصلها إلى أعلى مستويات تاريخية في أغلبية المدن والمحافظات، وجاءت الارتفاعات أكثر سخونة في المدن الرئيسة خصوصا، وتجاوزت إلى حد بعيد جدا قدرتي الدخل والائتمان لأغلبية الأفراد. وحفز من تنامي الإقراض العقاري طوال تلك الفترة عاملان رئيسان، تمثل العامل الأول في توافر الدعم السكني لتمويل تملك المسكن الأول للمستفيد، والعامل الآخر في تزامن تلك الفترة مع انخفاض معدلات الفائدة إلى أدنى مستوياتها التاريخية.

استمرت تلك التطورات الإيجابية حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، لتبدأ قصة أخرى مع تباطؤ نمو الطلب على التمويل العقاري من قبل الأفراد، مقابل ارتفاع أسعار الأراضي والمساكن إلى مستويات قياسية لم يسبق لها مثيل، تجاوزت معها قدرة أغلبية الأفراد من حيث الدخل والقدرة الائتمانية، وزاد من تلك التحديات الارتفاع المطرد لمعدل الفائدة بأسرع وتيرة لها خلال أربعة عقود، مرتفعا خلال أقل من سبعة أشهر بأكثر من 460 نقطة أساس، واستقراره عند أعلى مستوى له خلال 21.7 عام مضى. وعلى الرغم من قيام الشركة السعودية لإعادة التمويل العقاري، بتمديد فترة سداد القروض العقارية للمواطنين إلى 30 عاما، لأجل تخفيف الضغوط الناتجة عن ارتفاع تكلفة الرهون العقارية عن كاهل المقترضين، إلا أن ذلك لم ينجح حتى تاريخه في إخراج السوق العقارية، والقطاع السكني خصوصا، من حالة ركودها الراهنة، التي أكملت بنهاية الشهر الجاري شهرها الخامس على التوالي من ذلك الركود.

وأكد أحدث بيانات البنك المركزي السعودي المنشورة قبل يومين، تعمق حالة التراجع في معدلات الإقراض العقاري للأفراد حتى نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بانخفاض حجم التمويل العقاري الجديد الممنوح للأفراد بمعدل سنوي وصل إلى 22.8 في المائة للشهر الرابع على التوالي، وانخفاض عدد عقوده التمويلية للفترة نفسها بنحو 23.7 في المائة، وعلى مستوى تحليل فترة العشرة أشهر الأولى من العام الجاري، فقد سجل التمويل العقاري الجديد انخفاضا بـ17.0 في المائة، وانخفاض عدد العقود التمويلية بـ20.1 في المائة، مقارنة بـالفترة نفسها من العام الماضي. وبالسؤال عن آثار استمرار هذا التراجع في مستويات التمويل العقاري على نشاط السوق العقارية عموما، وعلى القطاع السكني خصوصا، إضافة إلى تزامنه مع الارتفاع المطرد في معدل الفائدة البنكية عموما، وتكلفة الرهن العقاري على وجه الخصوص، وهما المتغيران اللذان يأتيان في مرحلة زمنية من عمر السوق العقارية المحلية، التي تتسم بعديد من السمات المهمة جدا، الواجب أخذها في عين الاعتبار للوصول إلى معرفة دقيقة بالاتجاه المرتقب لأداء السوق والقطاع السكني خلال الفترة الراهنة وفي المستقبل القريب.

من أهم تلك السمات، "1" الارتفاع القياسي الذي وصلت إليه أسعار الأراضي والعقارات باختلاف أنواعها خلال الفترة الراهنة، والتأكيد في هذا الخصوص على العقارات السكنية التي تجاوزت بمستوياتها الراهنة قدرات كثير من الأفراد سواء على مستوى الدخل أو على مستوى القدرة الائتمانية، ويمثل أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ركود نشاط القطاع السكني خلال الفترة الراهنة، لعدم قدرة أغلبية الأفراد على الشراء بتلك الأسعار المرتفعة. "2" تقلص حجم الطلب خلال الفترة الراهنة، مقارنة بما كان عليه قبل أكثر من ثلاثة أعوام، بارتفاع معدل تملك المساكن خلال تلك الفترة الوجيزة من 47 في المائة بنهاية 2016 إلى أعلى من 62 في المائة بنهاية 2021، مقتربا بدرجة أكبر من مستهدفه النهائي البالغ 70 في المائة بحلول 2030. "3" زيادة ضخ مئات الآلاف من المنتجات السكنية خلال الفترة الراهنة، التي تستهدف تلبية الطلب المحلي على المساكن في ظل البرامج الحكومية الداعمة، ووفقا لمعدلات النمو السنوية لضخ المساكن الجديدة قبل 2020، يقدر أن يصل عدد الوحدات السكنية الجديدة على أقل تقدير حتى نهاية 2025 إلى أعلى من 2.1 مليون وحدة سكنية جديدة. "4" توسع تنفيذ نظام الرسوم على الأراضي البيضاء في أغلب مدن المملكة، وتحفيز ملاك تلك الأراضي نحو تطويرها أو الدخول في شراكات مع المطورين العقاريين "محليين، خارجيين"، أو حتى التخارج من ملكيتها مقابل ارتفاع تكلفة تملكها، ومقابل تضاؤل فرص نمو أسعارها مقارنة بما كانت عليه الأوضاع الاقتصادية والعقارية سابقا خلال العقود الماضية، وهو ما عملت الإصلاحات الهيكلية ولا تزال تعمل على الحد من أشكاله كجزء من التشوهات الاقتصادية "اكتناز الأراضي دون تطوير أو استخدام".

في ضوء ما تقدم ذكره أعلاه بصورة موجزة، من متغيرات عكست اتجاهاتها "التراجع المستمر للتمويل العقاري، والارتفاع المطرد لتكلفة الرهن العقاري"، وأخذا في الحسبان السمات الراهنة للسوق والقطاع السكني خصوصا "تضخم الأسعار، حجم الطلب، زيادة المنتجات السكنية، الشمول الأوسع لرسوم الأراضي"، فإن الصورة المرتقبة لأداء واتجاهات السوق والقطاع السكني، باختصار، ستختلف بنسبة كبيرة عما شهدته خلال الأعوام الأربعة الماضية، بدءا من هدوء وتيرة الأسعار وميلها تدريجيا خلال الأشهر المقبلة نحو اقترابها من قدرة الأفراد من حيث الدخل والائتمان، بتأثير ملموس من زيادة المنتجات "العرض"، وزيادة مساحات الأراضي المحررة والمطورة. وهذا بالتأكيد ما سيحمل إيجابيات للسوق، من أهمها استقرار وعدالة الأسعار، وزيادة نشاط القطاع العقاري بما يخدم الاقتصاد الوطني، ويسهم في زيادة نموه المستدام من جانب، وبما يلبي الاحتياجات والتطلعات المتنوعة للمجتمع من جانب آخر.

 

 

نقلا عن الاقتصادية