هذا ما نريد

13/11/2022 1
علي المزيد

كنت منذ زمن بعيد أنادي وأكتب في الصحف التي كنت أعمل بها، مطالباً بأن تتخلص الدولة السعودية من جزء كبير من حصصها في الشركات السعودية المساهمة، بحيث تكون حصص الحكومة في الشركات السعودية المساهمة، أقلية وغير مؤثرة في التصويت في الجمعيات العامة للشركات، وأن تترك إدارة الشركات المساهمة للقطاع الخاص.

لا سيما أن صندوق الاستثمارات العامة حينما نشأ قادت إليه الصدفة أكثر من التخطيط، إذ نشأ في ركن منزوٍ في وزارة المالية والاقتصاد الوطني في حينه، إذ كان المجتمع في ذلك الوقت حديث التحول من الريف والبادية وكان لا يؤمن بمثل هذا النوع من الاستثمارات، بل كان لا يثق بها في الأساس، لذا وجدت الدولة نفسها وبالصدفة في موقع ضامن الاكتتاب. ونعني بضامن الاكتتاب أنه بعد طرح الأسهم للاكتتاب وانتهاء المدة الزمنية له يقوم ضامن الاكتتاب بشراء الأسهم التي لم يكتتب بها.

كما أن نشأة الشركات المساهمة السعودية في بداية الدولة السعودية الحديثة قد قادت إليها الحاجة والتنافس بين المدن والقرى، فنشأة شركات الكهرباء قادت إليها الحاجة والتنافس، وهي قصة تستحق أن تروى، إذ إن تجار مدينة جدة قد تنادوا وأسسوا شركة كهرباء نظراً لأن لا أحد منهم قادر وحده على أن ينشئ الشركة بحكم ضخامة رأس المال، وحينما قامت الشركة، ونظراً للتنافس التقليدي بين مدينتي مكة وجدة، فقد أسس تجار مكة شركة كهرباء خاصة بمدينتهم، ثم تلتهما الرياض، وفي القرى أسس أهالي بلدة القصب نواة شركة كهرباء، وبحكم تنافس بلدة شقراء مع بلدة القصب، أسس أهالي بلدة شقراء نواة شركتهم، وبعد ذلك تطور الأمر لتندمج الشركات فيما بينها، لتصبح شركة كهرباء الوسطى والغربية والشرقية وهكذا دواليك لبقية المناطق، لنصل في نهاية المطاف لشركة كهرباء السعودية، التي ضمت جميع شركات مناطق السعودية تحت مظلة واحدة.

بعد تطور تاريخي ورؤية جديدة أصبح لدى السعودية صندوق استثمارات مستقل، ويُدار بحرفية عالية ووفق أسس ومعايير ربحية، ليعلن نهاية الأسبوع الماضي أنه بصدد بيع 12 مليون سهم من أسهم شركة تداول، وهو أمر يحقق ما كنت أنادي به من تسليم إدارة الشركات المساهمة للقطاع الخاص - البنوك السعودية تملك نصف أسهم شركة تداول - فهذه الشركات وقفت على أرجلها، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي قادر على خلق فرص جديدة تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة، القطاع الخاص لا يملكها، وبيع صندوق الاستثمارات العامة السعودي جزءاً من حصصه في هذه الشركات لا يعني فشلها، ولكنه قد يعني أن صندوق الاستثمارات قد وجد فرصاً بديلة أكثر ربحية من الاحتفاظ بأسهم هذه الشركات، في حين أن أسهم هذه الشركات قد تكون فرصة استثمارية رائعة للأفراد والمؤسسات المالية.

التجربة السعودية في مجال سوق الأسهم، تجربة تاريخية طويلة تفوق تجارب أسواق الأسهم العربية الأخرى، ولو استعرضت هيئات أسواق المال العربية تجربة سوق الأسهم السعودية فلربما استفادت منها بحكم تشابه الظروف. ودمتم.

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط