يتشبث الكثيرون بالأمل في قرب انتهاء عصر التضخم، وبخاصة محافظو البنوك المركزية، مع وجود شبه إجماع على تراجعه إلى نحو 3٪ أو أقل في غضون عامين، بالرغم من أن التاريخ يُظهر عكس ذلك، فالأمر قد يستغرق سنوات أطول حتى تنخفض الأسعار إلى أقل من 6٪ بعد أن تقفز فوق 8٪، كما حدث سابقاً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو، فيما تقفز للواجهة مجموعة من المعطيات التي تهدد باستمراره دون هوادة.
والواقع، أن البنوك المركزية بذلت جهدًا مضاعفاً للقضاء على التضخم، حتى في ظل مخاوف الركود التي تلوح في الأفق، إلا أن هذه البنوك يمكن أن تتفاجأ بقوة التضخم في حال ثبت أن زيادات أسعار الفائدة أقل تأثيرًا، وأن توقعات التضخم أكثر ثباتًا مما تتوقع، وهذا الأمر يسلط الضوء على مخاطر التقلبات الكبيرة في المستقبل، حيث تشعر البنوك المركزية بالحاجة إلى تعديل السياسة النقدية مرارًا وتكرارًا.
في الوقت الراهن، يتزايد الوعي العام بالتضخم، وهذا يؤشر على علامات تحول نفسي مشابه لما حدث في فترة السبعينيات الميلادية، عندما أدى تغيير المواقف حول مكاسب الأسعار إلى زيادة التوقعات بشأن التضخم، واليوم، يتكرر ذات السيناريو، إذ يتوقع الكثيرون أن يظل التضخم مرتفعاً لفترات أطول، وينعكس ذلك في معظم التوقعات متوسطة الأجل، حيث يتوقع مزيج من الشركات والأسر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو أن يظل التضخم أعلى من 2٪، وكلما طالت مدة بقاء التضخم، زادت احتمالية ترسخه على المدى المتوسط.
في المقابل، يطالب العمال برواتب أفضل، الأمر الذي يخاطر بخلق دوامة من الارتفاع المستمر في الأجور والأسعار، وعلى ما يبدو، فإن جمهور المستهلكين في الغالب غير مدرك لأهداف التضخم لدى البنوك المركزية، ويمكن القول، بأن لدى هؤلاء الزبائن إيمان هش بقدرة هذه البنوك على اتخاذ قرارات تصب في مصلحة المواطن العادي، وهذا يعني وجود أزمة ثقة قد يستغرق بنائها سنوات.
باعتقادي، فإن تحقيق الاستقرار الاقتصادي يشبه إصلاح الثوب المعيب، حيث يمكن سحب الخيوط بسهولة، ولكن إذا انفرط عقد هذه الخيوط فإنه يستحيل دفعها للخلف، وإذا كان الاحتياطي الفيدرالي لم يتفاعل في بدايات الأزمة بشكل سريع مع التضخم، فإن المخاوف تتركز على احتمالية مبالغته في ردة الفعل، بالرغم من أن هدفه الصريح يكمن في تحقيق "الهبوط الناعم"، بمعنى سحق التضخم دون دفع الاقتصاد للركود، ومن البديهي أنه عندما تحدث أخطاء في الاقتصاد، فإن المهمشين وأصحاب الدخول الضعيفة هم أكثر من يتأذى جراء هذه الأوضاع الصعبة، وقد تلعب السياسة دورها في تفاقم الوضع الاقتصادي، وعلى سبيل المثال، إذا سيطر الجمهوريون مثلاً على الكونجرس القادم، فقد يكون من مصلحتهم إطالة أمد المصاعب الاقتصادية قبل الانتخابات الرئاسية من أجل إزاحة الرئيس الديمقراطي.
د. خالد سلمت يداك.. لو أن "مستويات" الأسعار العالية اليوم والمرتفعة عن العام الماضي بـ "نسبة" 8%+، لم تنخفض اطلاقاً وبقيت عند مستويات الأسعار العالية حتى سبتمبر 2023، فكم ستكون نسبة التضخم السنوي في سبتمبر القادم؟ الجواب صفر%. استمرار نسبة التضخم عالية تتطلب مواصلة الارتفاع، ولو نظرت إلى السلع والمواد الغذائية والبترول وأجور الشحن تجد أن جميعها في انخفاض، كذلك تزايد المخزون لدى جميع الشركات يدل على ضرورة تراجع الأسعار. أشك في أن التضخم سيستمر.