للتوظيف في التحليل الاقتصادي جانبان. العرض labor supply ويقصد به العاملون والعاطلون الراغبون في العمل مقابل أجر، واختصارا اليد العاملة. والجانب الآخر الطلب وهم الذين يوظفون "بكسر الظاء" اليد العاملة. والمقال لجانب العرض فقط. وهو مسمى اصطلاحي، لا يتعارض مع طلب الوظيفة. وللتشبيه، مثل الرغبة في بيع سلعة، يعبر عنها اصطلاحا بالعرض، وهذا لا يتناقض مع كون العارض طالب مال مقابل السلعة. قلت ذلك نظرا إلى ما قرأته من سوء فهم من بعض باعتراضهم على مسمى عرض لطالب الوظيفة.
هناك وظائف تتطلب ابتداء مؤهلات علمية، ومرغوبة اجتماعيا. هذه قضية نالت الاهتمام وكتب عنها الكثير، وخارج النقاش في هذا المقال.
ماذا بشأن الوظائف أو المهن الأخرى في القطاع الخاص؟
غالبا هناك مشكلتان، نقص مهارة وعزوف اجتماعي. المهارة المطلوبة تكتسب من الممارسة، لكن الممارسة في حكم المفقودة لدى المواطنين، لأن الوظيفة غير مرغوبة اجتماعيا. وزاد من ضعف الرغبة بساطة الراتب نسبيا. والكلام عن الوضع العام عبر عشرات الأعوام، وليس عن حالات بعينها.
اشتد ضعف الرغبة مع وفرة الموارد النفطية. تلك الوفرة نعمة عظيمة من رب العالمين، لكنها نعمة لم تقدر كما ينبغي في السلوك الاقتصادي للفرد والمنشأة. وقد وصف ذلك ولي العهد بإدمان النفط.
كيف؟ هناك مهن وظيفية ليست ذات دخل بسيط في الغالب ومن حيث الأصل. لكن هذا الدخل مع الوفرة النفطية وتأثيرها، صار غير مرتفع بما فيه الكفاية في نظر المواطن الباحث عن عمل. أمثلة المهن الفنية في أعمال الصيانة والمقاولات والمطاعم وغيرها كثير. وهناك وظائف بين بين. ولذا فإن التقسيم ليس من قبيل الأبيض أو الأسود، لكن أرجو أن يفهم منه مجمل المشكلة، وظائف ذات طبيعة فنية ليست متدنية الدخل كثيرا، لكن غير مرغوب فيها اجتماعيا.
تلك الوظائف في القطاع الخاص ليست قليلة العدد. كم عدد الذين يعملون في مهن تلك الوظائف في المملكة؟ بالملايين، وكلهم تقريبا من غير السعوديين. لكن، وكما في العالم، يفترض أن يعمل في هذه الوظائف أهل البلد. هناك دول كثيرة ذات مساحات كبيرة ولا تعد من الدول كبيرة العدد بالسكان مثل أستراليا وكندا. هل تستقدم هذه الدول ملايين لأداء أعمال من النوع السابق؟ مؤكد أن الجواب لا. ولذا فإن شغلها بغير السعوديين يعني تلقائيا وجود عطالة معتبرة، ظاهرية أو مستترة.
سؤال نظري، في ظل الوضع القائم، هل الأصل التوازن في سوق العمل السعودية بحيث تميل إلى توازن العرض والطلب؟
هناك نظريات كثيرة في موضوع سوق العمل وتوازنها، والمجال ليس مناسبا لاستعراضها. لكن لنا أن نقول باختصار إن الأصل هو توازن سوق العمل أو ميلها إلى التوازن، حتى ولو لم يتحقق التوازن التام.
قد يسأل سائل، ما الذي ترمي إليه في سؤال التوازن؟ المقصد أنه يفترض أن في السكان كفاية أو ما يقارب الكفاية من حيث العدد لشغل الوظائف التي عليها النقاش، ومن ثم لا حاجة إلى الاستقدام إلا في نطاق ضيق، وفي الأغلب عند نقص مهارات بعينها، وهذا لا يشكل إلا عددا صغيرا ممن يجري استقدامهم.
هناك عديد من القطاعات الواعدة التي قد تعد مصدرا كبيرا للتوظيف، مثل الصناعة التحويلية والفنادق والسياحة والاتصالات. لكن الأوضاع المؤيدة بعدد من المسوح والدراسات تشير إلى نقص ملموس في المهارات الحرفية في نسبة كبيرة من طالبي شغل وظائف فنية في تلك القطاعات. ومتوقع أن المشكلة تزيد مع التطورات التقنية.
من أهم الحلول التوسع القوي في التدريب الهادف إلى التوطين الحرفي في بلادنا. التوسع في إكساب المهارات الحرفية للسعوديين من ذوي التعليم دون الجامعي أو حتى دون الثانوي. هذا التوسع يزيد من فرص توظيفهم براتب مقبول. وتزيد أهمية التدريب لاكتساب تلك المهارات الحرفية مع توقع تضاعف عدد سكان البلاد من السعوديين في غضون بضعة عشر عاما. نسأله سبحانه أن يجعلها أعوام خير وبركة.
من المهم العمل على زيادة نصيب اليد العاملة في الدخل القومي. وهذا يستلزم زيادة مستوى الأجور في المملكة للمهن الدنيا خاصة، عبر عدة طرق منها الدعم الحكومي والحد من الاستقدام. من المؤكد أن الحد له آثار سلبية. لكن كما يقول المثل، مكره أخاك لا بطل.
وهناك سياسات أخرى كثيرة مرتبطة بالعرض الوظيفي. وترتبط هذه السياسات بالعملية التعليمية والتدريبية. وينبغي أن تقوم على تحقيق ما يمكن من رضا بين مختلف الأطراف، وأن تساعد على تحسين الأوضاع المهنية داخل مكان العمل. وتبعا من المهم العمل على ما يزيد قدرات المنشآت على الاستخدام الأمثل للموارد البشرية.
كما من المقترح عمل المزيد نحو ربط المدرسة بسوق العمل. يسميه البعض الربط المزدوج. ويعد النموذج الألماني للتعليم المزدوج من أنجح الأمثلة. يعطي الربط المزدوج مزيد أهمية لمشاركة أصحاب العمل والشركات والمهنيين من أصحاب وطالبي الوظائف في وضع المناهج للمتدربين حتى نقوي من تحقق التناغم بين المناهج التدريبية واحتياجات سوق العمل. من الممكن جدا الاستفادة من التجربة الألمانية. لكن ينبغي عدم النقل الحرفي للتجربة، بالنظر إلى وجود خلافات بين المجتمعين. وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
أخى الكريم ليس النفور من القطاع المهنى والحرفى سببه ضعف الأجور بل ثقافة التعالى والإستكبار على كل ماهو مهنى وحرفى.حتى مهن الأباء والأجداد هجرناها تماما ! الدولة لم تقصر فأنشأت معاهد التدريب المهنى منذ أكثر من 60 عام وأنفقت عليها بكل كرم وسخاء وصرفت مكافآت شهرية لمنسوبيها طيلة دراستهم فأين ذهبوا حتى اليوم؟ هل شاهدت منهم أحد !!!؟ نحن لدينا (بطارة) لا بطالة! مصيبة الكل يتحاشى الإعتراف بها ودراستها ووضع الحلول لها !!!
صدقت