التضخم الملتهب.. وتكلفة السكن

20/10/2022 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

تكافح ملايين الأسر حول العالم للتعامل مع ارتفاع التضخم الذي زاد الضغوط على المستهلكين، وأصاب القدرة الشرائية في مقتل، في الوقت الذي تتركز فيه جهود ترويض الأسعار بشكل شبه كامل على تحرك البنوك المركزية لرفع أسعار الفائدة، وتشديد السياسة النقدية، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتضخم، وتخفيف الضغوط على ميزانيات الأسرة، فإنه يجب التركيز أولاً على خفض تكلفة السكن.

والواقع، أن تنامي تكاليف الإسكان يجعل من الصعب على العائلات تغطية نفقاتها المعيشية، وقد لوحظ لعقود مضت، كيف كانت أسعار المساكن تفوق دخل الأسرة، والآن مع تفجر الوباء والحرب الروسية والتباطؤ الاقتصادي نكاد نشهد جيلاً كاملاً محروماً من امتلاك المنازل، إذ تقتطع أسعار المساكن المتصاعدة جزءاً كبيراً من دخل الملايين الذين باتوا مجبرين على الكفاح من أجل توفير الضروريات الأساسية، مثل الغذاء والدواء.

في الولايات المتحدة على سبيل المثال، وهى الاقتصاد الأول في العالم، تشكل تكاليف السكن ثلث مؤشر أسعار المستهلكين، وهو مقياس التضخم الأكثر متابعة على نطاق واسع، وقبل أن تبدأ الجائحة في 2020، كانت الأسرة الواحدة من بين كل سبع أسر أمريكية تنفق نصف دخلها أو أكثر على السكن، ما يعني أن تضخم أسعار المساكن أدى إلى تآكل القدرة على الادخار، ودفع العديد من مالكي المنازل والمستأجرين إلى حافة الإخلاء والرهن، وإبعاد مشتري المنازل الجدد المحتملين عن السوق.

بشكل عام، لا يمكن كبح جماح تضخم أسعار السكن حتى يتم تصحيح النقص المنهجي في القطاع، ولا سيما نقص معروض المنازل اللائقة بأسعار معقولة، ويكمن النقص الحاد الآن في غالبية الدول في تراجع بناء المنازل الجديدة لمحدودي الدخل، الأمر الذي يؤثر على المناطق الرئيسية في أي بلد، ولهذا تأثير كبير على المجتمعات المهمشة، ونعتقد أن القطاع لديه فرصة لحماية المستهلكين من هجمة الضغوط التضخمية من خلال التعجيل ببناء مساكن جديدة ميسورة التكلفة، وإذا كانت الحكومات المختلفة جادة في بناء اقتصاد أكثر إنصافًا ومرونة، فيجب عليها أن تتخذ هدفًا مباشرًا لتفكيك السياسات التي منعت ملايين الأسر لعقود من الوصول إلى الحلم الجوهري المتمثل في امتلاك المنازل.

والحقيقة، أن توسيع معروض المساكن قليلة التكلفة أمر بالغ الأهمية لإنعاش الاقتصاد على المدى الطويل، فعن طريقها يمكن ترويض التضخم الكلي، والحد من الفجوات الطبقية في ملكية المنازل، والبدء بشكل عاجل في توفير فرص اقتصادية أكثر إنصافًا للجميع، فلا يمكن للعائلات بناء مستقبل أفضل إذا لم يتملكوا منزلاً آمناً وبأسعار معقولة، ويتأكد هذا الأمر في الدول الغنية والمتقدمة، والتي يتعين عليها دائماً أن تفعل ما هو أفضل لمواطنيها، ويبدو أن الوقت قد حان للالتزام بخريطة طريق تسهل على الجميع إمكانية شراء بيت له ولأولاده.

 
 
 
 
خاص_الفابيتا