منحنى فيليبس بين التضخم والبطالة

09/10/2022 1
د. محمد آل عباس

حاولت جهدي تبسيط هذه المقالة ما استطعت، ولذا أعتذر للمختصين، ولغير المختصين، فإن فيليبس هذا هو عالم اقتصادي درس العلاقة بين معدلات البطالة ومعدلات التضخم في بريطانيا باستخدام سلسلة زمنية طويلة منذ 1861 حتى 1957، ونشر دراسته في 1958، بعنوان "العلاقة بين البطالة ومعدل التغير في الأجور المالية في المملكة المتحدة، 1861 - 1957" وأظهر فيليبس ارتباطا سلبيا بين معدل البطالة ومعدل التضخم، وهذا يعني أنه كلما ارتفع معدل البطالة "زادت البطالة" انخفض معدل التضخم، والعكس عندما انخفض معدل البطالة كان معدل التضخم يرتفع. وبطريقة أخرى، فإن هذه العلاقة تعني أن ارتفاع معدلات التوظيف "انخفاض البطالة" يشير إلى زيادة الطلب على العمالة، ما يصنع ضغوطا تصاعدية على الأجور "ترتفع الرواتب"، ويجعل الشركات التي تريد تعويض مصروفات الرواتب والمحافظة على الأرباح، تقوم برفع أسعار منتجاتها "تضخم".

من جانب آخر، فإن معدلات التوظيف وارتفاع الأجور "معا" يؤديان إلى تحسن الطلب، وبالتالي ترتفع الأسعار أيضا، وقد نشر الاقتصاديان الأمريكيان سامويلسون وسولو بحثا بعنوان "تحليلات سياسة مكافحة التضخم" في المجلة الاقتصادية الأمريكية AER، تؤيد ما ذهب إليه فيليبس من وجود علاقة سلبية بين التضخم والبطالة في الولايات المتحدة، ثم انتشرت هذه المنهجية بحيث أصبحت تحديا عالميا، وأكد باحثون من دول عديدة في العالم العلاقة نفسها، حتى أصبح منحنى فيليبس أيقونة اقتصادية. وتبدو المعاني واضحة جدا، والعلاقة أكثر عمقا، فالطلب المرتفع على العمالة يعني ضمنيا أن القدرات الإنتاجية للشركات تحسنت جوهريا، وهذا يعود إلى نمو الناتج المحلي والطلب الإجمالي ويشير أيضا إلى التوسع في الإنفاق، لذلك فإن الطلب على العمالة مؤشر مهم جدا لفهم اتجاهات التضخم أو على الأقل من أجل تفسيرها بشكل صحيح، وفهم التضخم يحسن من فهم اتجاهات البطالة، وهذا الفهم الدقيق للعلاقة هو الذي يحدد اتجاهات السياسات النقدية ومن ذلك سعر الفائدة.

لكن هل يمكن أن يكون هناك ارتفاع معدل التضخم مع ارتفاع معدل البطالة "في الوقت نفسه" أو العكس "انخفاض معدل التضخم مع انخفاض البطالة"؟. كما ذكرت، فإن انخفاض البطالة يدل على زيادة في التوظيف "بحسب منحنى فيليبس"، وهذا بسبب زيادة النشاط الاقتصادي عموما، والشركات متحفزة لزيادة الإنتاج، وبالتالي زيادة التوظيف، لكن مع كل هذا النشاط، هل يمكن أن يحدث انخفاض في التضخم في الوقت نفسه؟ وبشكل معاكس، هل يمكن أن يرتفع التضخم وترتفع البطالة في الوقت نفسه، "بما يخالف منحنى فيليبس كليا"؟. الحقيقة أن الظاهرة الثانية "ارتفاع التضخم مع ارتفاع البطالة" ظهرت فعلا في الولايات المتحدة وعدة من دول العالم في فترة الركود التضخمي، "تضخم مع ركود"، و"تضخم مرتفع مع بطالة مرتفعة"، لقد جاءت التفسيرات من دراسات لباحثين أمريكيين هما فريدمان وفليبس عملا على تفسير ظاهرة التضخم المصحوب بالركود "أو عدم استقرار منحنى فيليبس"، ووفقا لنموذج فريدمان ـ فليبس، ظهر بأنه نتيجة لسياسة نقدية توسعية، يعاني الاقتصاد تضخم الأسعار والأجور، "لكن" هذه الزيادة في الأجور زيادة "النقدية" تفسر من قبل الشركات على أنها انخفاض في الأجور الحقيقية، ومن قبل العمال على أنها زيادة في الأجور الحقيقية، وهنا يبدو منحنى فيليبس صحيحا، أي أن التضخم أدى إلى انخفاض في البطالة، لكن "وفقا للتصورات الجديدة" هذه ليست سوى مرحلة مؤقتة، ففي النهاية، سيكتشف المنتجون والعمال بشكل صحيح معدل التضخم ويتم تعديل عقود العمل الجديدة وسيعود معدل البطالة إلى مستواه الطبيعي القديم، وبالتالي، لا توجد معالجة طويلة المدى بين التضخم والبطالة.

لفهم هذا، نفترض أن معدل البطالة مرتفع وأن التضخم عند 5 في المائة، ووفقا لمنحنى فيليبس، فإن زيادة التضخم تعني انخفاض البطالة، ولهذا سيتم القيام بإجراءات توسعية من أجل تنفيذ هذه المقايضة بين خفض معدل البطالة ورفع التضخم، لكن هذا مؤقت، إذ ما يلبث الجميع أن يكتشف بأن التضخم مرتفع فيتم تعديل العقود الجديدة للعمل لتعكس الحالة الاقتصادية الجديدة، وبالتالي يعود معدل البطالة إلى الارتفاع. هذا واضح جدا مع ظاهرة ارتفاع التضخم وارتفاع معدل البطالة، لكنها ليست بمثل هذا الوضوح في الشق الثاني مع الصورة، "انخفاض معدل التضخم وانخفاض معدل البطالة".

 

نقلا عن الاقتصادية