تلقى الاقتصاد لوما مستحقا على الأقل في جزء منه، خاصة في التنمية، وما يواجه الدول النامية من تحديات تبدأ من المعيشية في أول السلم، إلى تحديات إدارة الموارد والإنتاجية والمنافسة مع الدول المتقدمة. في ظل هذا الجدل برزت الثقافة كمصدر مهم لبحث الاختلافات بين المجتمعات. لفت نظري ظاهرة غير عادية في اهتمام محلل نفساني هولندي بتطوير نموذج للتحليل، ومن ثم متابعة ابنه تطوير الإطار التحليلي بعده. طور الإطار Greet Hofstede. تحدي التمايز الثقافي واضح للجميع، فحين تسافر يتغير كل شيء من العلاقة بين الناس إلى الغذاء والعادات والطبيعة الهرمية أو الأفقية إلى درجة الانضباط وعدة عناصر كبيرة وصغيرة تختلف درجاتها. لكن الأكثر صعوبة أن الأنظمة الثقافية ليست مكتوبة، خاصة فيما يخص القيم والذوق العام ومساحة ما نتحمل وما لا نتحمل. هذه الاختلافات في التواصل والإدارة أثارت هوفستيد وقادته في الأخير إلى تطوير إطار تحليلي لفهم وتأطير الاختلافات الثقافية.
بدأ هوفستيد دراساته كمحلل نفساني لدى IBM في الستينيات والسبعينيات مستغلا عشرات المسوحات حول قيم الموظفين في دول مختلفة في كل القارات التي لدى الشركة أعمال فيها. اهتمامه بالموضوع تعدى حاجة الشركة ما اضطره إلى ترك الشركة ومواصلة تطوير الإطار ونماذج التحليل. يقدم الإطار من خلال ستة نطاقات تحدد القيم المختلفة. في كل نطاق يطور مقياسا نسبيا لمدى دور التركيز في النطاق الواحد. سنقدم اثنين منها في هذا العمود والبقية في الأسبوع التالي. الأول نطاق النفوذ أو السلطة، حيث يصف مدى قبول أفراد المجتمع توزيع السلطة والموارد والمزايا. هذا البعد يسري في المؤسسات والمدارس والعائلة ومكان العمل وفي الأغلب كل مؤسسة تمس حياة الأفراد. يوظف مؤشرا لقياس مدى السلطة الهرمية في المجتمع من خلال العلاقة بين الأب وأبنائه، والمعلم وطلابه، والزوج والزوجة، والمدير والموظف، والحاكم والمحكوم. هناك مجتمعات تسجل أرقاما عالية: ماليزيا والفلبين وروسيا ورومانيا، ودول أخرى تسجل أرقاما منخفضة، مثل: النمسا والدنمارك ونيوزيلندا.
النطاق الثاني في ميدان الفردانية مقابل الجماعية الذي يحاول قياس إلى أي مدى أفراد المجتمع يهمهم المصلحة الجماعية أو مصالحهم الشخصية. التبعات الأولية أن الفردانية تقود إلى روح المبادرة وأخذ المخاطر، بينما الجماعية دليل على استعداد للانضباط الجمعي، وربما إنجاز مهام أكثر في وقت أقصر. ربما لدى كثير منا انطباع ما عن مجتمعات معينة أو حتى فئات معينة، لكن استخلاص معيار للمقارنة ومن ثم محاولة قراءة دوره في نجاح الدول وقدراتها التنافسية مغر للحكم، لكن صعب التأكيد لأن دوره مرتبط بعوامل أخرى. على معيار الفردية: أمريكا وأستراليا وبريطانيا وهولندا وكندا في أعلى السلم، بينما في البعد الجماعي نجد: صربيا وهونج كونج وماليزيا وسلوفينيا والبرتغال. في الأسبوع المقبل، سنقدم النطاقات الأربعة الأخرى، وهي: الذكورية مقابل الأنوثة، وتفادي حالة عدم اليقين، والنظرة إلى المدى البعيد مقابل المدى القصير، وأخيرا التساهل في النزعات مقابل التحكم فيها. حاول قرييت هوفستيد تحديد النطاقات التي تجمع كل الثقافات وقياس مدى تركيز البعد على حساب ما يقابله. الهدف من الإطار المساعدة على فهم حالة كل مجتمع النسبية دون إطلاق أحكام، لأن الإطار شيء والسياسات التشخيصية شيء آخر من ناحية، والاعتماد على إطار واحد لا يكفي مهما بدا مغريا فكريا وتحليليا من ناحية أخرى. لكن أيضا سيجده كثيرون مفيدا في تسليط الضوء على الأبعاد الإنسانية التي تجمع البشر ومدى الاختلافات بينهم.
نقلا عن الاقتصادية
شكرا لكم موضوع في غاية الاهمية ...أعتقد ان ثقافة المجتمعات تخضع لتغييرات اما بسبب عوامل اقتصادية او سياسية او كلاهما ....اتذكر شاهدت برنامجا في احد القنوات الامريكية قبل ثلاثين عاما عن جهود الحزب الاشتراكي الوطني في المانيا ( او مابعرف بالحزب النازي ) عن كيف استطاع الحزب تشكيل المجتمع الالماني من امة مسحوقة بعد الحرب العالمية الاولى إلى امة مختلفة خلال اقل من عقدين من الزمن ...او ماسمي بالهندسة الاجتماعية الالمانية ........الميديا بشكل عام تساهم في تعزيز قيم معينة في مجتمع وتنفير المجمتمع عن قيم اخرى ...تلاحظ ذلك واضحا في المجتمعات الفردية مثل المجتمع الامريكي .......****** مثلا في الشرق الاوسط بعد اندثار خطر الشيوعية والاشتركية التي كانت تشكل خطرا في الفترة من الخمسينات وحتى الثمانينات ، مما استدعى نشر نوع من الثقافة اليمينية المضادة للشيوعية تحت لواء الوطنية والدين والقبيلة وكل القيم التقليدية ...اقول بعد اندثارها ...بدأنا نلاحظ نوع من تعزيز الثقافة اليسارية والانفتاح الاجتماعي لان الخطر تغير من اليسار إلى اليمين واصبحت العناصر المحافظة هي الخطر ....لذلك بدأ نوع جديد من الهندسة الاجتماعية لتخفيف قوى اليمين وذلك بدعم الاعلام الذي يدعو للانفتاح وقبول الاخر وقبول الاختلاف وما إلى ذلك ...مختصر مفيد الثقافة تسنبت وتهندس حسب حاجات وخيارات الامم وضرورات ادارة المجتمع ............تحياتي .