تشهد القارة العجوز حالياً واحدة من أسوأ موجات الجفاف ونقص المياه في تاريخها الحديث، وجاءت أزمة الجفاف في وقت كانت أوروبا تنوي الاعتماد بشكل كبير على الممرات المائية كجزء من جهودها لمكافحة التغير المناخي وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ كانت تستهدف المفوضية الأوروبية زيادة النقل عبر الممرات المائية بنحو 25% بحلول 2030. فأوروبا ضربتها أسوأ موجة جفاف منذ 500 عام، أدت إلى انخفاض مستوى المياه في البحيرات والأنهار بما يهدد إمدادات مياه الري والشرب والشحن النهري، بالإضافة إلى جفاف الأراضي الزراعية وهو ما يكلفها مزيداً من الخسائر الاقتصادية.
هنا يتبادر سؤال مهم كيف لأزمة جفاف عمرها لا يزيد عن الشهرين أن تحدث حالة من الارتباك في دول تصنف ضمن العالم الأول المتقدم، وهي الدول الغنية بالأنهار والأمطار والموارد المائية، في حين تعايشت السعودية على مدار عقود مع ندرة المياه وتزايد مضطرد في الكثافة السكانية، وهي واحدة من أقل دول العالم التي تحتوي على أنهار عذبة ومياه جوفية محدودة للغاية؟
أما عن حجم الأزمة في السعودية، ففي حين أن أكثر من 99% من السعوديين يحصلون على المياه الصالحة للشرب، تصنف السعودية على أنها واحدة من أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه في العالم، ومن الجدير بالذكر أن مستوى ندرة المياه المطلقة يبلغ 500 متر مكعب للفرد في السنة، والسعودية يبلغ لديها نصيب الفرد في السنة 89.5 متر مكعب، وفقاً لموقع (Fanack Water) المختص بتوفير معلومات مدروسة حول وضع الموارد المائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
فهناك تحديات مائية كبيرة نظراً للاستخدام غير المستدام لموارد المياه، فضلاً عن محدودية مخزون المياه الجوفية غير المتجددة، التي تشهد استنزافاً متسارعاً، وفي ظل الظروف المناخية القاحلة، تعد المياه المتجددة نادرة، علماً بأن الطلب المرتفع على المياه في القطاع الزراعي يفاقم من مشكلة ندرة المياه في السعودية. كما تمثل المياه وخدمات الصرف الصحي في القطاع الحضري تكلفة مرتفعة على الحكومة، بالإضافة الى ارتفاع نصيب الفرد من استهلاك المياه 263 لتر للفرد في عام 2019م، وفقا لشركة المياه الوطنية.
ووفقاً لبيانات وزارة المياه والبيئة والزراعة، تشهد متطلبات المياه في السعودية التي قدرت عام 2015م بحوالي 24.8 مليار متر مكعب زيادة سنوية ثابتة بنسبة 7%، يمثل قطاع الزراعة فيها المستهلك الأكبر للمياه، بنسبة 84% من إجمالي الطلب على المياه، ويعود الاستعمال المرتفع للمياه في القطاع الزراعي إلى الثغرات في سياسات قطاع المياه، والتشريعات وأوجه القصور العامة في الاستخدام. حيث تستهلك الأعلاف وحدها 67% من متطلبات المياه في القطاع الزراعي، بينما تبلغ كفاءة الري 50% في الوقت الحالي مقارنة مع ما يزيد عن 75% وفقاً لأفضل الممارسات.
كانت تحلية المياه المالحة هي الفكرة الذهبية التي استثمرت فيها السعودية أموالاً طائلة على مدار عقود للتعايش مع أزمة شح المياه، وقد ساعد على ذلك بعد فضل الله وتوفيقه، عائدات النفط المرتفعة، فتحلية المياه هي عملية مكلفة للغاية، وتعد السعودية اليوم من أكبر دول العالم في تحلية المياه، وتدعم إمدادات المياه بشكل كبير، حيث كلفت الحكومة السعودية شركات خاصة من جميع أنحاء العالم لإنشاء محطات التحلية الحالية، كما تشتري المياه من هذه الشركات وتبيعها للأسر السعودية بسعر أقل للحفاظ على التكاليف المنخفضة بالنسبة للمستهلك. وهناك العديد من العمليات التقنية لتحلية مياه البحر، ولكن التقنية الأكثر شيوعاً هي التحلية الحرارية، حيث يتم غلي الماء وبالتالي فصله عن الملح، كما يوجد طريقة أخرى لتحلية المياه وتسمى بعملية” التناضح العكسي“، حيث ينتقل الماء من المحلول الأعلى تركيزاً نحو الأدنى عبر غشاء شبه نافذ باستخدام الضغط، وبالتالي ينفصل الملح عن الماء.
وتمتلك المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة سمعة عالمية في هذا المجال، وقد عرفت السعودية تحلية المياه منذ حوالي 100 عام، من خلال عملية التكثيف لتقطير مياه البحر، وذلك بالتحديد عام 1928 عندما تم إنشاء وحدتي تكثيف لتقطير مياه البحر الأحمر لإمداد مدينة جدة بالمزيد من مياه الشرب، ثم أنشئت المراحل الأولى للتحلية في كل من محافظتي الوجه وضباء الواقعتين على ساحل البحر الأحمر، وتلتها محطة التحلية في محافظة جدة المرحلة الأولى. وتواصلت جهود التوسع والتطور في صناعة تحلية المياه المالحة بعد صدور المرسوم الملكي بإنشاء المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة عام 1974م.
وتعد المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة مؤسسة حكومية سعودية تعنى بتحلية مياه البحر وإنتاج الطاقة الكهربائية، وإيصال المياه المحلاة المنتجة لمختلف المناطق السعودية، لتباشر أعمالها بإنشاء محطات لإنتاج المياه المحلاة، وقد بلغ عدد منظومات المؤسسة 32 محطة موزعة على الساحلين الشرقي والغربي، تنتج هذه المحطات 5.9 مليون متر مكعب يومياً، ويمثل إنتاج المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة أكثر من 74.6% من إنتاج مياه التحلية في السعودية، والبقية تنتج من خلال محطات القطاع
الخاص، ويبلغ إنتاج المياه المحلاة أكثر من 7.9 مليون متر مكعب يومياً، وهذه الكمية تمثل ما نسبته 55% خليجياً، كما تبلغ نسبة إنتاج السعودية من المياه المحلاة عالمياً 22.2% وبهذه الإنجازات تكون رائدة هذا المجال عربياً وعالمياً.
كما لجأت السعودية على مدار سنوات الى ترشيد استهلاك المياه من خلال مجموعة من الخطط والبرامج والإجراءات، فتحلية المياه وحدها قد لا تكون قادرة على تلبية الطلب المستقبلي المتزايد بـ 7% سنوياً واتخذت عدداً من الإجراءات لتقليل الاستهلاك، منها قيام الحكومة بإنهاء الدعم عام 2016م للمحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه من أجل تقليل استخدام المياه في الزراعة، ولايزال قطاع الزراعة يمثل ما يقرب من 84% من استهلاك المياه، وتطبيق تعريفات جديدة لخدمات المياه والصرف الصحي للمستهلكين في القطاعات الحكومية والصناعية والتجارية. ومنذ ذلك التوقيت فرض على هذه القطاعات دفع معدل تعريفة أعلى بكثير من التعريفات السكنية التي تم إدخالها في عام2016م.
وفي مارس 2019، أطلقت السعودية برنامج قطرة، تلبية لرؤية 2030 المتمثل في الحفاظ على موارد المياه غير المتجددة بهدف خفض متوسط استهلاك الفرد اليومي من المياه بنسبة 43% بحلول عام 2030، أو من 263 لتر للفرد في اليوم في عام 2019م إلى 150 لتر بحلول عام 2030م، فالبرنامج يهدف إلى تغيير السلوك الفردي من خلال زيادة الوعي بمشاكل المياه. بالإضافة إلى ذلك، يقوم البرنامج بترشيد مصادر المياه لحماية الموارد الطبيعية وجميع جوانب الحياة التي تعتمد على المياه وتشارك المبادرة مع القطاعين العام والخاص من خلال برامج لتقليل الاستهلاك وسد تسربات المياه ببنية تحتية محدثة وتكنولوجيا كشف التسرب.
كما تستهدف السعودية إلى إعادة استخدام أكثر من90% من مياهها بحلول عام 2040م، حيث تستخدم في الوقت الحالي ما يقارب من 65% فقط، من خلال تحويل أصول معالجة مياه الصرف الصحي الحالية والمخطط لها إلى موردي مياه المصدر في معظم القطاعات الصناعية.
إن تحدى ندرة المياه هو أهم التحديات التي تواجه الحكومة السعودية حالياً ومستقبليا، خاصة مع التغيرات المناخية المتطرفة وتزايد السكان، وهذا التحدي يلزم معه استحداث استراتيجيات متكاملة قادرة على معالجة مشكلة ندرة المياه بشكل فعال لتلبية الطلب المتزايد باستمرار، وترشيد استهلاكنا الحالي فقد روى الإمام أحمد (6768) وابن ماجة(419) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ ؟ قَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ)، وقوله سبحانه وتعالى" ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" سورة الأعراف.
خاص_الفابيتا
مشكور على المقال ... ولكن المقال يردد كلام غير صحيح ومبالغ فيه وتم الرد عليه من قبل كثيرين بما في ذلك وزير زراعة سابق!!
ياخى الأسلوب نصف الجمال، طريقتك فى الرد لاتصح
المقال لم يتطرق لهدر مياه الامطار وعدم الاستفاده منها من قبل وزارة الزراعه بعدم الاهتمام ببناء السدود والخزانات المائيه لتحقيق اقصى استفاده من مياه الامطار وكذلك الاستنزاف الجائر للمياه من قبل ملايين العماله الوافده والتي في اغلبها تشكل عبء على الاقتصاد الوطني وخاصة المياه واعتقد ان هذه نقاط جوهريه كان من الافضل اخذها بالحسبان.
مشكور على المقال الرائع، بالفعل نحتاج الى ترشيد الاستهلاك واستغلال كل قطرة مياه واعادة التدوير
اما مسألة استنزاف المياه من قبل قطاع الزراعه بنسبة 84% كما ذكر المقال امر مبالغ فيه جدا وغير منطقي .
مشكور على المقال الرائع، بالفعل نحتاج الى ترشيد الاستهلاك واستغلال كل قطرة مياه واعادة التدوير
مقال مفيد يعطيك العافية
أتابع مقالات الكاتب واخرون معدودون على هذا الموقع حقيقة مقالتهم تكون مليئة بالارقام والاحصائيات يعطيكم العافية لكنى ألحظ ان المقالات تكون قليلة على فترات متباعدة مرة هل لى ان اتواصل مع الكاتب واخرون من خلال الموقع