الاحتياطي الفيدرالي.. والخطة المعيبة

20/06/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

لم يعد الاقتصاديون الأمريكيون صقورًا أو حمائم، ولكنهم منقسمون بين متفائل و متشائم، مع بلوغ معدل التضخم السنوي 8.6٪ في مايو، فجميعهم متفقون على أن الاحتياطي الفيدرالي تأخر كثيراً في مكافحة التضخم الأكثر سخونة في أربعة عقود، وهو الآن بصدد اللحاق بالركب عبر زيادة الفائدة بمقدار 0.75 نقطة مئوية، ويبدو أن الأمور رهيبة للغاية لدرجة أن صانعي السياسة النقدية يدركون الآن أنه يتعين عليهم سحق الاقتصاد للتغلب عليه، أو يفقدون السيطرة علي زيادة الأسعار ، إلا أنه ليس معلوماً إلى أي مدى ستكون العواقب مؤلمة، فالمتشائمون يشيرون إلى التاريخ الطويل من نوبات تشديد السياسة النقدية التي أعقبتها فترات ركود، بينما يجادل المتفائلون بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يخفض التضخم إلى هدف 2٪ عبر إبطاء النمو.

في معسكر المتفائلين، يتوقف الأمر على سوق العمل الساخنة في أمريكا، فقد كان هناك ما يقرب من ضعف عدد الوظائف الشاغرة مقارنة بأعداد العاطلين عن العمل في أبريل، مع اقتراب النسبة من أعلى مستوى قياسي في مارس، والأجور أعلى بنسبة تزيد عن 5٪ عما كانت عليه قبل عام، وعلى الرغم من أن المقياس الرئيسي لنمو الأجور يتباطأ قليلاً، إلا أن عدم التوازن الواضح بين الطلب على العمال وإمداداتهم يرجح استمرار الأسعار في الارتفاع بسرعة جنونية، حيث ينفق العمال مداخيلهم الوفيرة، بينما تتكبد الشركات المزيد من التكاليف.

أما معسكر المتشائمين، فيرون فرصاً وفيرة للتوظيف، في إشارة إلى مدى انتعاش سوق العمل والتي يعتبرها البنك المركزي دليلاً على أنه يمكنه تهدئة الأمور دون طرد أي عامل من وظيفته، مما قد يؤدي انخفاض عدد الوظائف الشاغرة، وبالتالي تقليل المنافسة على العمال، وخفض نمو الأجور والتضخم دون زيادة البطالة، ولا شك أن هذه الفكرة تحفز اعتقاد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، بأن الاقتصاد يواجه فقط بعض الألم من التضخم، على غرار المعاناة من الآثار الجانبية للقاح، وليس الوباء نفسه، والحقيقة أن الإشارات التي يتلقاها المستثمرين والاقتصاديين من البنك المركزي ليست مطمئنة، فقد يأتي الركود في وقت مبكر، وإذا بدأ الاقتصاد في الانكماش قبل نهاية العام، فقد تكون له عواقب بعيدة المدى على تشكيل الكونجرس.

تعتبر حسابات الاحتياطي الفيدرالي أحدث مثال على الإفراط في التفاؤل بين صانعي السياسة النقدية، الذين قللوا من حجم مخاوف التضخم ومن أهمية الإجراءات اللازمة لمكافحته، ولكن، لماذا ستؤدي السياسة المتشددة إلى تقليص عدد الوظائف الشاغرة دون زيادة تسريح العمال؟.. الواقع، أن أسعار الفائدة المرتفعة تقلل من إنفاق المستهلكين والاستثمار، مما قد يتسبب في انكماش الشركات الأضعف أو حتى إغلاقها، فخارج فترات الركود، لا يتغير تسريح العمال كثيرًا، ومع ذلك، فإن الركود هو بالضبط النتيجة التي يخشى المتشائمون أن تتبعها معدلات أعلى.

يدعم السجل التاريخي هذا القلق، فلم تكن هناك حالة على الإطلاق انخفض فيها معدل شغور الوظائف بشكل كبير دون أن ترتفع البطالة بشكل كبير، ففي غضون العامين الماضيين، ارتبط انخفاض الوظائف الشاغرة بنسبة 20٪، بارتفاع قدره ثلاث نقاط مئوية في معدل البطالة، بالإضافة إلى أن خطة الاحتياطي الفيدرالي لن تمنع التضخم المستمر على الأرجح وعلى الجميع أن يتعود على التضخم ويتعايش معه، وحتى لو عاد سوق العمل للتوازن فقد يظل التضخم مرتفعًا، خاصة إذا توقع العمال والشركات زيادات سريعة في الأسعار. تعتبر توقعات التضخم المرتفعة، وليس صعوبة إعادة الطلب إلى مستوى العرض، هي التي تجعل من الصعب إبطاء ارتفاع الأسعار دون التسبب في ركود، وهذا هو السبب في أننا نعتبر أن التوقعات المتزايدة بشأن طول أمد التضخم من الأخبار السيئة للمستهلكين والشركات، ولا شك أنه في كل مرة يثبت فيها الاحتياطي الفيدرالي أنه كان مفرطاً في التفاؤل، تنحسر مصداقيته، مما يجعل النتيجة الوخيمة هي الأكثر احتمالية. 

 

خاص_الفابيتا