ميدان التنافس بين الدول التعليم وهو ما يقودها للنهوض باقتصادياتها، فلم تتقدَّم الكثير من الدول الصاعدة والتي أصبحت ضمن أهم اقتصادات العالم إلا من خلال عوامل عدة لعل مستوى التعليم والكوادر البشرية التي تتخرَّج منه أهمها، ورؤية المملكة 2030م تركّز على تطوير مخرجات التعليم من خلال برنامج تنمية القدرات البشرية ورحلة تطوير التعليم بدأت وتشهد تسارعاً واضحاً على صعيد إصدار الأنظمة للتعليم العام والجامعي وتطوير المباني والوسائل وإعادة هيكلة التقويم الدراسي وتطوير وإضافة مناهج تتناسب مع عصرنا الحالي، فالذي لا يتماشى مع متطلباته في التعليم والتأهيل وتوجهات الاقتصاد العالمي سيبقى خارج المنافسة الدولية فليس خياراً ما يتطلبه عصرنا من تعليم نوعي مختلف عن السابق، بل هو مسار لا بد من المضي فيه.
ولأجل النهوض بالتعليم تكاملت عدة جهات رسمية ببرنامج تنمية القدرات البشرية لتكون المخرجات على قدر عال من التأهيل ومتناسبة مع متطلبات سوق العمل وعصر الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وبالتأكيد لقطاع التعليم الدور الرئيسي بهذا البرنامج ولذلك شهد القطاع صدور العديد من الأنظمة والتغييرات في الأعوام الثلاثة الماضية وخاضت وزارة التعليم تجربة فريدة خلال جائحة كورونا من خلال التعليم عن بعد، حيث كان تحدياً كبيراً لها ولكوادرها التعليمية والإدارية وللطلاب ولأهاليهم لتستمر الوزارة باستخدام منصتها للتعليم عن بعد حتى بعد العودة الحضورية للطلاب هذا العام، لكن يبرز من بين توجهات قطاع التعليم التقييم والقياس لمستوى التعليم عموماً وإذا كانت برامج قياس بعض المواد أداة لمعرفة الواقع للطلاب في مراحل معينة والذي يجرى كل عدة سنوات لكن إطلاق هيئة تقويم التعليم لبرنامج الاختبارات الوطنية «نافس» يعد أحدث أدوات قياس التحصيل العلمي وهو مطبق دولياً، حيث يخدم في تقويم التحصيل العلمي لطلبة المدارس وكذلك في قياس مؤشرات الاختبارات الوطنية في برنامج تنمية القدرات البشرية بالإضافة لتعريف أولياء الأمور بمستوى التحصيل العلمي في مدارس أبنائهم وتعزيز التنافس الإيجابي بين المدارس ومكاتب وإدارات التعليم، فهذه الأهداف ترمي لتطوير قياس التحصيل العلمي للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة في مواد منتقاة هي القراءة والرياضيات والعلوم التي تضم الفيزياء وعلوم الحياة والأرض والفضاء وذلك بشكل سنوي ولصفوف منتقاة هي الثالث والسادس بالمرحلة الابتدائية والصف الثالث بالمرحلة المتوسط من خلال اختيار مدارس بإدارات التعليم وعدد جيد من الطلاب لتكون النتائج معبرة عن قياس يكشف واقع التحصيل العلمي وذلك بهدف التطوير.
لكن لهذا البرنامج أيضاً انعكاسات عديدة، حيث يمكن للأهالي معرفة مستوى التحصيل العلمي بمدارس أبنائهم وكذلك يمكنهم من معرفة ما هي المدارس الأفضل بالإدارة التعليمية التي يتبعون لها ويساهم بمعرفة كل إدارة مدرسة لواقع نتاجهم ويعزِّز التنافسية بين المدارس وكذلك بين الإدارات التعليمية بالإضافة للوقوف على واقع التعليم الذي يساهم بتوجيه خطط الوزارة التطويرية، حيث ستعمل الهيئة بالتعاون مع الوزارة على إصدار تقارير عن مستوى التحصيل التعليمي تتحدَّد فيها جوانب القوة والتحسين وكذلك توظيف نتائج الاختبار في تقويم مدارس التعليم العام وترتيب المدارس وهي في غاية الأهمية حتى تكون المعالجات تفصيلية وليست عامة فقط، بالإضافة لمعرفة تأثير إستراتيجيات التعليم والتعلّم وعمليات التقويم فلا يمكن السير بأي خطة دون قياس مستمر لنتائجها، فهذا البرنامج الجديد هو مكمل لبقية البرامج والمبادرات التي أطلقتها وزارة التعليم والهيئة كذلك للانتقال بالتعليم نحو تحول جذري في السنوات القادمة.
تتيح هيئة تقويم التعليم للعموم الاطلاع على تفاصيل الاختبارات الوطنية «نافس» ومن الضروري فهم أهدافه من قبل الأهالي وكذلك الكوادر التعليمية وإدارات المدارس فهو خطوة في الطريق الطويل للنهوض بالتعليم لأن التعاون من جميع الأطراف مطلوب لنجاحه فتحسين مخرجات التعليم لا يقتصر على تغيير بالمناهج أو مبان حديثة، بل سلسلة من التغييرات متكاملة ومن أهمها القياس لمستويات الطلاب بطرق حديثة مطبَّقة دولياً وأثبتت أهميتها ودورها بتطوير التحصيل العلمي ورفع كفاءة الإنفاق على قطاع التعليم.
نقلا عن الجزيرة