الطريق إلى تخفيف أزمة الغذاء

02/06/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

تلوح في الأفق أزمة غذاء عالمية، لذلك يحتاج صانعو السياسات للتفكير في كيفية جعل الغذاء أرخص وأكثر وفرة، وهذا يتطلب الالتزام بإنتاج المزيد من الأسمدة والبذور الأفضل، وتعظيم الإمكانات التي يوفرها التعديل الوراثي، والتخلي عن هوس العالم الغني بالمواد العضوية، في الوقت الذي أدت فيه الحرب الدائرة الآن بين روسيا وأوكرانيا إلى نضوب الإمدادات، لأن الدولتين المتحاربتين مسئولتين عن أكثر من ربع صادرات القمح العالمية وكميات هائلة من الشعير والذرة والزيوت النباتية، وتزامن هذا مع مناخ قاسي ووباء عالمي ما زال يفتك بضحاياه، والنتيجة، ارتفاع خرافي في أسعار الأسمدة والطاقة والنقل والمواد الغذائية بنحو 60 % خلال العامين الماضيين.

تكشف الحرب الراهنة عن بعض الحقائق القاسية، أهمها أن أوروبا، التي تصور نفسها رائدة في مجال الطاقة الخضراء، تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، خاصة عندما لا تكون الشمس مشرقة أو لا تهب الرياح، وهكذا، أعادت الحرب تأكيد حقيقة أساسية وهي أن الوقود الأحفوري لا يزال حاسمًا للغالبية العظمى من الاحتياجات العالمية، كما تكشف أزمة الغذاء الناشئة عن حقيقة قاسية أخرى وهي أن الزراعة العضوية لا يمكنها إطعام العالم، أو حتى مواجهة أزمات الغذاء المستقبلية، رغم أن دعاة حماية البيئة يروجون منذ فترة طويلة، لفكرة خادعة فحواها أن الزراعة العضوية يمكنها حل مشكلة الجوع، مما دفع الاتحاد الأوروبي بنشاط إلى وضع خطط لمضاعفة الزراعة العضوية في القارة ثلاث مرات بحلول عام 2030، حيث يعتقد الأوروبيون أن الزراعة العضوية يمكنها المساعدة في إطعام العالم، ومع ذلك، تنتج الزراعة العضوية غذاء أقل بكثير من نظيرتها التقليدية، حيث تتطلب من المزارعين تدوير التربة خارج الإنتاج مما يقلل من فعاليتها.

ليس الغذاء العضوي أكثر تكلفة فحسب، بل إن المزارعين العضويين يحتاجون للمزيد من الأراضي لإطعام نفس العدد من الناس، وبالنظر إلى أن أراضي الكرة الأرضية المستغلة في الزراعة لا تتجاوز 40 في المائة فقط من اليابسة، فإن التحول للمواد العضوية يعني تدمير مساحات كبيرة من أجل إنتاج أقل فعالية، وأبرز مثل على ذلك، كارثة سريلانكا، فقد فرضت الحكومة العام الماضي انتقالًا كاملاً إلى الزراعة العضوية، فعينت مستشارين في المجال، وسط ادعاءات فارغة بأن الأساليب العضوية يمكنها إنتاج غلات مماثلة للزراعة التقليدية، لكن، وفي غضون أشهر قليلة، لم تنتج السياسة الزراعية الخرقاء سوى البؤس، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية خمس مرات.

الأدهى، أن سريلانكا كانت مكتفية ذاتيا لعقود من الأرز، لكنها اضطرت بشكل مأساوي إلى استيراد كميات كبيرة من الأرز بحوالي 450 مليون دولار، كما تعرض الشاي، وهو محصول تصدير رئيسي للبلاد ومصدر هام للنقد الأجنبي، للدمار، مع خسائر اقتصادية تقدر بنحو 425 مليون دولار، قبل أن تتجه البلاد نحو العنف الوحشي والاستقالات السياسية، واضطرت الحكومة بالنهاية إلى تقديم تعويضات للمزارعين بقيمة 200 مليون دولار، وتقديم إعانات بقيمة 149 مليون دولار، وهكذا، فشلت التجربة العضوية في سريلانكا بسبب عدم جود ما يكفي من الأرض لاستبدال الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية بالسماد الحيواني، وللتحول إلى المواد العضوية والحفاظ على الإنتاج، فإن سريلانكا تحتاج إلى روث أكثر بخمس إلى سبع مرات من إجمالي روثها اليوم.

نحن لا نجادل في أن الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية، ومعظمها مصنوع من الغاز الطبيعي، تقنية حاسمة لتغذية العالم، فبفضل هذه الأسمدة تضاعف الإنتاج الزراعي ثلاث مرات في نصف القرن الماضي، مع تضاعف عدد السكان، فضلا عن أن الأسمدة الصناعية ومدخلات الزراعة الحديثة قلصت أعداد المزارعين في البلاد الغنية، مما أدى إلى تحرير الكثيرين للعمل في مهن أخرى منتجة، ومع ذلك، فإننا نعتقد أنه لإطعام العالم بشكل مستدام، فإننا بحاجة إلى إنتاج طعام أفضل وأرخص، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي تحسين البذور، وتعظيم استخدام التعديل الوراثي، والتوسع في الأسمدة والمبيدات والري، وهذا سيسمح بإنتاج المزيد من الغذاء، والحد من ارتفاع الأسعار، والتخفيف من أزمة الجوع الوشيكة.

 
 
 
 
 
خاص_الفابيتا