جاءت الرؤية لنقل المجتمع والاقتصاد الوطني إلى مدار آخر في 2030. العمود يناقش إحدى نواحي الأدوات التحليلية وليست الخطط الاقتصادية. إدارة الاقتصاد الكلي دائما صعبة لأسباب عدة، أهمها: ترتيب الأولويات في ظل فرص معينة وضغوط مستمرة وعوامل متحركة، ومنها أيضا تحديد الأهداف والموازنة فيها بين الضرورات قصيرة الأجل والأهداف طويلة الأجل. ترتفع وتيرة التحدي حين تكون الدولة نامية، ولديها خطط طموحة، وتعتمد على تصدير موارد طبيعية ناضبة إما اقتصاديا أو جيولوجيا. يقال ماليا: ما لا يمكن قياسه لا يمكن تثمينه، لذلك لا بد من رصد التقدم من خلال مؤشرات. هناك مؤشرات عادية معروفة، مثل قياس النمو، كما في GDP، والبطالة والتضخم والإنتاجية وميزان المدفوعات التجاري والجاري والرأسمالي. هذه معايير مهمة لكن - في نظري المتواضع - لا تناسب أو لا تكفي اقتصادا بالخصائص التي ذكرت أعلاه. أخيرا، هناك معايير تنافسية وأخرى عن البيئة الاستثمارية، لكن هذه أيضا أصبحت في عهدة الاستشاريين ومؤسسات دولية أحيانا تجارية لرفع الترتيب دون محتوى جوهري.
ولا تتناسب في قياس قدرة الفعاليات الاقتصادية على التعاون فيما بينها، التعاون عامل مؤسساتي لا يمكن لتجميع إحصائي غير دقيق أن ينقله للمراقب أو المسؤول. أجده أيضا غير مناسب لأنه غالبا يضيع في مقارنة نسبية، بينما بعض الاستحقاقات مطلقة ولا تنتظر مقارنات خادعة، وأيضا لا تعطي التأثيرات الثانوية وما بعدها حقها من التحليل. خذ مثلا GDP معيار فضفاض يقيس الحجم والتغير في الحجم دون أي معيار للجودة والكفاءة والفعالية والتنافسية. الاهتمام بحجم GDP والتغير فيه تعبير عن الاهتمام بالحجم على حساب الجودة من قوة ومرونة. ربما الجديد في قياس الأداء الاقتصادي تلك الفورة حول الاقتصاد النفطي وغير النفطي، انقسام - في نظري - مصطنع على مستويين: الأول، يصعب تخيل اقتصاد يعتمد أساسا على النفط أن يستغني عنه، والآخر، التأثير والتفاعل بينهما أعمق من فصل مالي. ربما يفيد في قياس مستوى الضرائب والرسوم كنسبة من الميزانية لتفصيل مالي، لكن ليس لفصل اقتصادي حقيقي. كذلك تجد كثيرين يوظفون معيار البطالة، بينما الأجدى معيارا لقياس مشاركة المواطنين في سوق العمل ومستوى دخلهم. مقياس البطالة فقط انتهى بقياس وافد عاطل حتى في ظل قيود على الاستقدام والتوظيف. أعتقد أن هذا الخلط أسهم في خلل سلم الأجور. الخلل في سلم الأجور يقود حتما لتشويه منظومة الحوافز والرسائل الاقتصادية للأفراد والتراتيب المجتمعية في التعليم والمهن.
المؤشرات البديلة لا بد أن تكون غير تقليدية أو غير عادية، لذلك غالبا لن تجد قبولا من الوسط الاقتصادي الأكاديمي أو الاستشاري. كما أن البديل لا بد أن يجمع بين المؤسساتي وضرورة توظيف الأرقام كي لا تصبح مجرد آراء شخصية، ويضيع المراقب في تفضيل رأي على آخر. كذلك لا بد للمؤشرات أن تقيس مستوى المنافسة مع العالم الآخر، إذ إن العالم في سباق، كذلك لا بد من متابعة حصيفة لسلم القيمة المضافة في المجتمع. ديمومة المجتمع واستقراره يعتمدان في الأخير على إنتاجيته وقدرته على المنافسة. المهم ألا نخلط بين أهداف الرؤية السامية التي تسعى إلى تطوير المجتمع بجميع أركانه، وبين الأدوات التحليلية لرصد تحقيق الأهداف. في الأسبوع المقبل، سنتحدث عن المؤشرات المقترحة.
نقلا عن الاقتصادية