برغم انشغال الحكومات الأوروبية بمعالجة الأزمات المتعاقبة من عينة الانقسام السياسي ومغادرة بريطانيا للتكتل، إلا أن المخاطر الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية تتزامن مع تباطؤ مشاريع الإصلاح الأساسية، وهذا يعني أن الازدهار الأوروبي سيعاني بشكل كبير خلال العقد الحالي إذا لم تصبح القارة العجوز أكثر إنتاجية من أجل تعزيز النمو الحقيقي، وإذا أخذنا الاقتصاد الألماني العريق كمثال، فسنجد أن نمو الإنتاجية انخفض إلى النصف في العقد الماضي مقارنة بالعقد السابق، بالرغم من التقدم التقني والأتمتة، وهذا خبر سيئ جداً بشكل خاص لمجتمع عجوز يعاني الشيخوخة مع قوة عاملة متدنية.
وإذا لم يكن من الممكن عكس اتجاه الإنتاجية السلبية، فإن أوروبا، الأكثر انكشافاً على جبهة الطاقة الروسية، ستفقد قدرتها التنافسية بشكل تدريجي لصالح القوى التقليدية، وسيحدد مسار السنوات المقبلة حجم الازدهار المستقبلي للقارة، وتحسين نوعية الحياة للأجيال القادمة، وعلى سبيل المثال، فإنه من خلال السياسات الصحيحة، يمكن لألمانيا، أكبر اقتصاد أوروبي، تحقيق نمو بنسبة 3.4 في المائة سنويًا، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 8600 يورو للفرد بحلول عام 2030.
لكن، الرهان الأكبر هو على استثمارات البرمجيات والنطاق العريض والتي تعد من العوامل الحاسمة للنمو، وتحسين الموقع التنافسي، واستدامة الرخاء الاقتصادي، وهنا، يتعين على الأوروبيين تسريع الرقمنة بمزيد من الحزم، وإلا فإن التخلف في هذا القطاع الحيوي سيضعف القدرة التنافسية للقارة على المدى الطويل، وإذا كانت سوق العمل رافعة رئيسية في كل المجتمعات، فإنه لا يمكن للأتمتة أن تعوض النقص المتزايد في العمال المهرة، ولكن مع مرونة ساعات العمل ومنح النساء العاملات ساعات مكثفة لرعاية الأطفال، فإنه يمكن لمزيد من النساء العمل بدوام كامل، كما أن ارتفاع مشاركة القوى العاملة المختلفة من الشباب وكبار السن والمهاجرين سيساعد النمو.
لطالما أدرك الأوروبيون كارثة تأخرهم التكنولوجي، فهو المتهم الأول وراء ضعف أداء الشركات الأوروبية مقارنة مع نظيراتها الأمريكية والصينية، وعلى سبيل المثال، فإنه بين أعوام 2014 و2019، تباطأت عائدات الشركات الأوروبية الكبرى مقارنة مع نظيراتها في الولايات المتحدة، وتراجعت استثماراتها بنسبة 8 %، وقلصت ميزانية البحث والتطوير 40 %، وبالرغم من محاولة تلافي القصور التكنولوجي، عبر إطلاق مجموعة من المبادرات العلمية التي تهدف إلى وضع القارة على المسار الصحيح، مثل توفير مبلغ 95.5 مليار يورو (100 مليار دولار) لبرنامج هورايزن أوروبا، وهي عبارة عن مبادرة بحث علمي مدتها 7 سنوات تستهدف رفع مستويات الإنفاق على العلوم بنسبة 50٪ من عام 2021 وحتى 2027، إلا أننا نعتقد أن هذه التحركات غير كافية، فما زالت الشركات الأوروبية تفتقر إلى حجم وسرعة وملاءة نظيراتها في الولايات المتحدة والصين.
والواقع، أن التباطؤ التكنولوجي قلص، وسيقلص من قدرة الشركات الأوروبية على المنافسة والنمو، مع ما يترتب عليه من آثار سيئة على الوضع الاقتصادي، ولهذا، فإن القيمة المضافة للشركات الأوروبية ستصبح على المحك بحلول عام 2040، وهي قيمة يمكن أن تولد وظائف جديدة، ونمو في الأجور، والسلع، والخدمات، وما لم تنهض أوروبا بالتكنولوجيا المستعرضة، فإن شركاتها المتخلفة عن البحث والتطوير ستتعثر أكثر حتى في القطاعات النوعية التي تتميز بها مثل صناعة السيارات، في عالم يعاني اختلالاً تكنولوجياً، ويعطي أهمية كبرى للحجم وخفة الحركة والطاقة النظيفة.