نعيش هذه الأيام مناسبة وطنية عظيمة على المملكة العربية السعودية حكومة وشعباً، نستذكر فيها مرور خمسة أعوام على تقلد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظه الله - لولاية العهد في المملكة، وما صاحبها من إنجازات حضارية عملاقة بعدة جوانب وأصعدة، منها: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والتعليمية وغيرها من الإنجازات، التي حققت للمملكة مكانة عالمية مرموقة، وأصبحت المملكة مثالا يحتذى به دولياً.
وبحكم التخصص سيكون تركيزي في هذا المقال على ما تحقق بالجانبين الاقتصادي والمالي، خلال السنوات الخمس الماضية، وخاصة منذ الإعلان عن انطلاقة رؤية المملكة المباركة 2030 في شهر أبريل 2016، وانطلاقة أول برامجها تحت مسمى: "برنامج التحول الوطني"، وما تبعها بعد ذلك من إطلاق العديد من البرامج التي تُعنى بجوانب حياتية عديدة وأنشطة اقتصادية ومالية عدة؛ والتي من بينها: برنامج صندوق الاستثمارات العامة، وبرنامج الإسكان، وبرنامج الاستدامة المالية، وبرنامج جودة الحياة، وغيرها من البرامج الحيوية المهمة.
فعلى الجانب الاقتصادي وبقيادة عراب الرؤية سمو الأمير محمد بن سلمان، تَمكن الاقتصاد الوطني من تخطى تبعات وتداعيات أزمة (كوفيد - 19) بجدارة، محققاً بذلك نتائج ومؤشرات اقتصادية ومالية مذهلة، حيث أظهرت النتائج الاقتصادية تحسناً ملحوظاً بنهاية العام الماضي، مشيرة إلى استمرارية تعافي الاقتصاد المحلي، حيث قد سجل عجز الميزانية الفعلي العام الماضي انخفاضاً ملموساً مقارنة بالمتوقع، حيث قد كان العجز المتوقع 141 مليار ريال، في حين بلغ العجز الفعلي 85 مليار ريال مقارنة بالعجز الفعلي المتحقق بنهاية العام 2020 البالغ 294 مليار ريال. وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فقد بلغت نسبة عجز الميزانية العام الماضي -11.2 %، في حين بلغت النسبة -2.7 % بنهاية العام الماضي.
ونتيجة لمجموعة الإصلاحات الهيكلية، أحرزت المملكة تقدماً ملحوظاً على مستوى دول مجموعة العشرين، حيث قد كان ترتيب المملكة اقتصادياً تبعاً لحجم الناتج المحلي الإجمالي مع بداية انطلاقة الرؤية قريب من المرتبة العشرين، ولكن تتبوأ المملكة حالياً المرتبة الـ 17 بحجم ناتج محلي إجمالي يزيد قليلاً على 700 مليار دولار، والطموح أن يتبوأ اقتصاد المملكة المرتبة الـ 15 بحلول العام 2030، مدعوماً باستمرار وتيرة برامج الإصلاح المالية والاقتصادية، بما في ذلك تنويع القاعدة الاقتصادية، واستمرار تسجيل الاقتصاد لمعدلات نمو إيجابية خلال الأعوام القادمة، حيث على سبيل المثال، قد نما الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من العام الماضي بنسبة 6.7 %، ويتوقع أن ينمو الاقتصاد بنهاية العام الجاري بنسبة 7 %، وأن تحقق الميزانية العامة للدولة، فائضاً يبلغ 90 مليار ريال.
وعلى الجانب الاستثماري والتجارة العالمية، فإن المملكة تُعد من بين الدول الأسرع نمواً في مجالي تنمية التجارة المحلية والتجارة العالمية على حدٍ سواء، كما أنها تتميز بقدرتها على تنمية الاستثمارات المحلية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، سيما وأن لديها اثنين من بين أكبر الصناديق التنموية على مستوى العالم (صندوق الاستثمارات العامة وصندوق التنمية الوطني).
إضافة إلى ما سبق، فإن المملكة تُصنف من بين الدول التي تمتلك لأكبر احتياطيات بالعملة الأجنبية على مستوى العالم، ولديها القدرة على تلبية 12 % من الطلب على البترول في العالم، ويمر من خلالها 27 % تقريبًا من التجارة العالمية. وقد تبنت الدولة تطبيق العديد من البرامج والمبادرات الداعمة لتعزيز التجارة المحلية واستقطاب الاستثمارات وتنميتها؛ مثل برنامج "استثمر في السعودية، و"صنع في السعودية، و"تيسير"، و"مِراس" وغيرها من البرامج والمبادرات.
ولقد كان لصندوق الاستثمارات العامة (Public Investment Fund-PIF) مساهمات فاعلة في تنمية الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره، بما في ذلك تنويع الإيرادات، من خلال سعيه الحثيث لتحقيق مستهدفات رؤية 2030؛ كونه المحرك الأساسي للاقتصاد والاستثمار في المملكة، حيث اعتمد الصندوق استراتيجيته طموحة أسهمت في تحقيق مستهدفاته، والوصول لمجموعة من الإنجازات الفريدة من نوعها على مستوى الصناديق السيادية حول العالم، إذ يشكل الصندوق فعلياً رافد استثماري واقتصادي مهم جداً للاقتصاد الوطني، باعتباره أحد المحركات الرئيسة لعجلة التحول الاقتصادي والوطني نحو التغيير الإيجابي المستدام في المملكة. كما أنه يسعى بشغف نحو قيادة النهضة التنموية للاقتصاد المحلي وتوطين التقنيات والمعرفة، وتوسعة محافظه الاستثمارية من الأصول الدولية، والاستثمار في القطاعات والأسواق العالمية عبر تكوين الشراكات الاستراتيجية وإطلاق عدد من المبادرات التي تساهم في تحقيق مستهدفات رؤية 2030.
ولعل من بين أبرز إنجازات الصندوق خلال السنوات القليلة الماضية إنشاءه خمسين شركة بثلاثة عشر قطاعا استراتيجيا، واستحداثه خمس مئة ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، وتعظيمه قيمة الأصول تحت الإدارة لتبلغ قيمتها أكثر من 2.2 تريليون ريال، ليصبح بذلك ترتيب الصندوق السادس عالمياً.
وهناك الكثير والكثير من الإنجازات الاقتصادية والمالية، التي تحققت منذ أن تولي سمو الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة، والتي قد يصعب حصر جمعيها في هذا المقال، والتي كما أسلفت حققت للمملكة مراتب مرموقة على مستوى العالم، وأسهمت في الوقت نفسه بتنويع القاعدة الاقتصادية وخلق الوظائف، حيث على سبيل المثال، في مجال السياحة، ارتفع عدد السياح من حوالي ستة ملايين سائح في العام 2016 إلى 17.5 مليون سائح في العام 2019، والطموح أن يصل عدد السياح إلى 100 مليون سائح بحلول العام 2030، ما سيعزز من قدرتنا على تحقيق مستهدفات القطاع السياحي والقطاعات والأنشطة ذات العلاقة والارتباط، مثل الرياضة والثقافة والترفيه، وغيرها من القطاعات والأنشطة لتحقيق مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة تزيد على 10 %.
أسال الله العلي القدير أن يحفظ سموه من كل شر وسوء، وأن يمده بالصحة والعافية، وأن يطيل في عمره، لنشهد ونلمس المزيد من الإنجازات الحضارية بجميع الاتجاهات وعلى مختلف الأصعدة الحياتية، لتبقى بلادنا نبراساً مضيئاً يشع خيراً ونماء للوطن والمواطن على حدٍ سواء.
نقلا عن الرياض