البنوك المركزية.. والملفات الساخنة

21/04/2022 0
د. خالد رمضان عبد اللطيف

هل أصبحت البنوك المركزية مشتتة بشكل خطير عن مهمتها، فباتت عاجزة عن مواجهة بعض الأزمات أو حتى توصيفها بشكل دقيق؟، هنا دعونا نتذكر أن هذه البنوك انتصرت قبل ثلاثين عامًا في معركة التضخم، بعد أن ارتفع بأرقام مزدوجة في الدول الغنية، بينما تتعثر الآن في ذات الملف، والواقع أنها هذه البنوك تقاتل على عدة جبهات، بما في ذلك التغير المناخي، وفجوة عدم المساواة، وإذا كانت البنوك المركزية تصنف على أنها حارسة المال، وشريان الرأسمالية، فإن تصرفاتها تؤثر على النمو والأجور والمدخرات والإنفاق، سواء عبر الإقراض، أو توجيه دفة الاقتصاد، وسواء كنت عاملاً أو متقاعدًا، مدخرًا أو مقترضًا، فإن قراراتها ستؤثر عليك.

في الماضي، منحت معظم البنوك المركزية تفويضات صارمة حتى نضمن استقلالها عن السياسيين المتطفلين، وبدا لبعض الوقت أن هذا الإصلاح المبكر للسياسة النقدية قد قضى تمامًا على شبح التضخم، حيث تحققت مستهدفات هذه البنوك في الغالب، فبلغ معدل التضخم في أمريكا وبريطانيا وألمانيا واليابان 2.1٪ سنويًا بين عامي 1990 و2007، انخفاضًا من 8٪ في السبعينيات، وقبل فيروس كورونا كان القلق الأكبر للعالم يتمثل في التضخم المنخفض للغاية، وليس المرتفع للغاية، والواقع أن هناك توافقاً تاماً بين البنوك المركزية على سحق التضخم.

تنبع قوة البنوك المركزية من قدرتها على تكوين احتياطيات مالية ضخمة لشراء الأصول أو الإقراض، واستخدام الميزانية العمومية في تحديد نوعية الأصول التي يجب شراؤها، وحجم الشراء، كما تسترشد هذه البنوك بتفويضاتها القانونية لاستعمال نفوذها في نزع فتيل المخاطر التي يتعرض لها النظام المالي وتحقيق أهداف التضخم الخاصة بها، لكن أفعالها تخلق بطبيعة الحال رابحين وخاسرين، فبعد أزمة 2008، تعرض الاحتياطي الفيدرالي لانتقادات بسبب إنقاذ "وول ستريت" الذي يمثل طبقة المستثمرين والأثرياء، على إنقاذ "مين ستريت" أو قطاع الأعمال وتجار التجزئة، بينما تعرض البنك المركزي الأوروبي للهجوم لبطئه في التصرف كملاذ أخير للأعضاء الأوروبيين في الجنوب، والمثقلين بالديون.

كشفت البنوك المركزية عن قوتها الضاربة خلال سني الوباء، عندما أغلقت الدول أبوابها ربيع عام 2020، إذ تطلبت صدمة النظام المالي سيولة هائلة، وعندما تخلص المستثمرون حتى من سندات الخزانة الآمنة، وجفت أسواق ائتمان الشركات، ردت البنوك المركزية بقوة بين مارس ويونيو 2020، حين ضخ الاحتياطي الفيدرالي ونظرائه في أوروبا واليابان والمملكة المتحدة وأماكن أخرى 12 تريليون دولار في النظام المالي لمحاربة التداعيات الاقتصادية للوباء، وشراء مجموعة من الأصول، وفي بعض الحالات تقديم قروض طويلة الأجل.

وبالنسبة لقضية المساواة، تبدو البنوك المركزية منشغلة تماماً بإعادة توزيع الدخل، فوفقًا لقاعدة بيانات بنك التسويات الدولية، ظهر مصطلح عدم المساواة في عُشر خطابات محافظي البنوك المركزية العام الماضي، مقارنة بنحو 2٪ قبل الأزمة المالية، وفي أمريكا، درس حوالي 15٪ من الأوراق البحثية التي نشرها الاحتياطي الفيدرالي ملف عدم المساواة في عام 2021، ارتفاعًا من 5٪ في عام 2005.

في الوقت الراهن، تتعرض البنوك المركزية لضغوط من أجل علاج العلل الاجتماعية وأبرزها الفجوة المتسعة بين الأغنياء والفقراء، وعلى سبيل المثال، فإنه مقابل كل دولار واحد كسبته الأسرة الأمريكية البيضاء في عام 2021، كان متوسط دخل الأسرة السوداء 51 سنتًا فقط، أيضاً فإنه مقابل كل دولار واحد من الثروة التي تملكها أسرة بيضاء، تمتلك الأسرة السوداء 15 سنتًا فقط، وعندما وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى سدة الرئاسة وعد بمعالجة هذه الفوارق، متعهدًا بأنه "لن يتم تأجيل حلم العدالة للجميع بعد الآن"، وفي الصين دفعت الفجوة الواضحة بين الأثرياء والفقراء وتباطؤ الحراك الاجتماعي الرئيس شي جين بينج لإطلاق حملة "الرخاء المشترك"، والتي استهدفت كل شيء، بداية من شركات التكنولوجيا وانتهاءً بالمشاهير والأثرياء.

يبدو الخط الفاصل بين السياسات المالية الداخلية، والخدمات المصرفية للبنوك المركزية غير واضح تماماً، وهذا ليس فقط لأن هذه البنوك اشترت كميات هائلة من الدين العام لدعم الاقتصادات المتعثرة، وصرفت إعانات استثنائية خلال الوباء لإبقاء الشركات على قيد الحياة، ولكن لأن قادتها منشغلون بملفات ساخنة ومفتوحة مثل الاحتباس الحراري وسبل مكافحة التغير المناخي، والسندات الخضراء ودعم الطاقة النظيفة، ومواجهة ضغوط المعضلات المختلفة مثل فجوة المساواة بين المرأة والرجل، والأجور والنمو والتوظيف، ناهيك عن الانقسام الكبير بشأن مستقبل وشرعية العملات الرقمية، وعللا الراجح فإن البنوك المركزية ستوسع دورها المستقبلي في تخصيص الائتمان بشكل أكبر.

 

خاص_الفابيتا