هل مللت المكاتب؟ هل تريد أن تغير المؤسسة التي تعمل فيها دون أن تقدم إنذارا لمدة لا تقل عن شهرين؟ هل تريد أن تعود لمؤسستك نفسها لتعمل في مشروع مهم؟ لا بد أنك قمت بزيارة مقهى في أحد الأيام ورأيت أشخاصا منهمكين في العمل، كأنهم في مكاتبهم، ولعلك تساءلت لماذا يأخذون أعمالهم إلى المقهى؟ وهل يعملون كل هذا الوقت فعلا؟ لقد انتشر أخيرا مصطلح الرحالة الرقمي Digital Nomad، حتى أصبحت حركة عالمية، والرحالة الرقمي هو الشخص الذي يكسب لقمة العيش عن بعد عبر الإنترنت، وأثناء السفر متمتعا بالحرية والمرونة في أي مكان، وغالبا ما يعمل "البدو الرقميون" إذا جازت الترجمة من المكتبات العامة ومساحات العمل المشتركة والمقاهي، ويربطون أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية بمراكز Wi-Fi في هذه المواقع أو باستخدام الإنترنت الخاصة بهم. عندما تصبح رحالة رقميا، لديك المرونة في جدول ووقت العمل الخاص بك، وهذا ما يسمى في المصطلحات الاقتصادية اليوم بسوق المهارات أو سوق العاملين لحسابهم، Freelancers.
سوق المهارات - وليس اقتصاد المهارات - تعد اليوم أحد قطاعات سوق العمل، فهي قطاع يمكن الجهات الباحثة عن موظفين أن تحصل عليهم من خلالها لكن لا توجد علاقة وظيفية بالمعنى المتعارف عليه، فلا عقد وظيفة ولا مسابقة ولا مقابلة. إنهم الموظفون أو العاملون لحسابهم Freelancer أو الرحالة الرقميون الذين يرشح بعض الإحصاءات غير الرسمية أن عددهم قد بلغ 58 مليونا في الولايات المتحدة فقط، وقد تصبح هذه السوق هي المصدر الأول للقوى العاملة في الولايات المتحدة خلال الأعوام القليلة المقبلة. لقد انتشر هذا النوع من الوظائف مع انتشار البرمجيات حيث يقوم المبرمج بتطوير تقنيات وبرامج وتطبيقات للمنشآت ولا يكون على ملاكها، ولأنه المبرمج فهو يقوم أيضا بالتطوير والصيانة المستمرة، ففي عام 2019 وصلت القوى العاملة في Google أكثر من 120 ألف موظف مستقل، وكان هذا أكثر عدد للموظفين الدائمين في كشوف الرواتب. لكن تاريخ سوق العمل المستقل هذا يعود لبدايات القرن الحالي عندما انتشرت مفاهيم الدعم عن بعد في شركات الاتصالات خصوصا، حيث يمكن أن يكون الدعم الفني في الهند بينما أنت قد اشتريت الخدمة فعليا من شركة في الولايات المتحدة، لكن الموضوع تطور لاحقا مع انتشار ثقافة العمل هذه بين المهنيين في الولايات المتحدة وبريطانيا وأصبحت أمريكا أسرع دولة في العالم في نمو سوق العمل المستقل بنسبة نمو في الدخل تتجاوز 70 في المائة بينما تحل بريطانيا ثانيا بنسبة 60 في المائة ثم دول مثل البرازيل وأوكرانيا والهند وبنجلادش. يشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى أن هناك اليوم أكثر من مليار عامل مستقل في العالم ومع ذلك فإن أقل من 38 في المائة فقط من العاملين المستقلين يعرفون أنفسهم على أنهم مستقلون، 86 في المائة من العاملين لحسابهم الخاص يعملون من المنزل. هذا الاتجاه في تصاعد فالأرقام تشير إلى أن هناك أكثر من 60 في المائة من العاملين لحسابهم الخاص يتابعون أسلوب حياة الرحالة الرقمي، وأن هذا الاتجاه في تصاعد مستمر وأن أكثر من 60 في المائة من العاملين لحسابهم الخاص يختصون في مجالين أو ثلاثة مجالات.
طبعا لا تزال تخصصات مثل البرمجة والرد على المشكلات الفنية ومعالجة الاستفسارات من أكثر الوظائف شيوعا، لكن هناك تزايد مستمر للوظائف الأخرى مثل التصميم الرقمي، وإعداد العروض، ودراسات الجدوى، والدارسات الاستشارية، ولقد قادت الإجراءات الاحترازية من زيادة اتجاه المهنيين لهذه النوع من الخدمات، حيث إن العمل عن بعد والعمل المرن قد وجدا دعما تشريعيا، ودعما اجتماعيا وثقافيا بعدما كان ينظر لمثل هؤلاء الأشخاص كعاطلين عن العمل أصبح ينظر لهم بمزيد من الاحترام، بل أصبحت المؤسسات باختلاف أنواعها تفضل مثل هذه العلاقات الوظيفية، حيث يتم الدفع عند الحاجة، وليس كالتزام شهري ثقيل. وفي المملكة عززت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية نمو هذه السوق من خلال مبادرة منصة العمل الحر التي تمكن المستخدم للخدمة من إصدار وثيقة العمل الحر. هذه الخدمة ضرورية جدا لعدة أمور من أهمها أن تقدم لحامل الوثيقة خدمة إمكانية فتح حساب بنكي - تجاري -، وكذلك الاستفادة من منتج تمويل العمل الحر المقدم من بنك التنمية الاجتماعية والاشتراك الاختياري في التأمينات الاجتماعية. فالتدفقات النقدية التي تنتج عن العمل الحر قد تكون محل تساؤل من الجهات الأمنية خاصة إذا كانت من الخارج، وأيضا قد يتحرج بعض الجهات الحكومية من التقاعد مع الأفراد والتحويل لحساباتهم دون مسوغ نظامي، فالوثيقة تمنح مرونة كبيرة للعمل. بقي القول: إن العمل الحر المستقل يعد فرصة كبيرة إذا توافر التسويق الجيد لمن يعمل في هذا الحقل، ومبادرة وزارة الموارد البشرية تتضمن التسويق لمن يحمل الوثيقة، لكن حتى الآن لم أقف على دليل أن ذلك يتم فعلا.
نقلا عن الاقتصادية