الحرب الاقتصادية

12/04/2022 0
فواز حمد الفواز

توقعت روسيا حظرا اقتصاديا وقيودا مالية بسبب عملياتها العسكرية في أوكرانيا، لكنها فوجئت ومعها العالم بمدى الضراوة والسرعة وقدرة الغرب على حشد دول كثيرة، كما عبر عن ذلك وزير خارجيتها. تواجه روسيا حربا اقتصادية ومالية ربما أكبر تكلفة من الحرب مع جارتها. الحروب الاقتصادية ليست جديدة وتأخذ أشكالا مختلفة مثل الحرب الحقيقية. في القرن الأخير، بدأت مع ألمانيا كعقاب بعد الحرب العالمية الأولى. أول تحليل اقتصادي كان لكينز Keynes في كتابه النتائج الاقتصادية للسلام في 1919، حذر من "الحالة التضخمية" التي ستحدث في ألمانيا كتعليق على اتفاقية فرساي التي إحدى نتائجها غرامات مجحفة على ألمانيا أدت إلى تضخم عال جدا، أدى إلى انهيار العملة وإشاعة درجة من الفوضى، ما مهد الطريق للنازية والحرب الثانية التي كانت أشد من الأولى. في هذه الحرب ضد روسيا تعهد الرئيس الأمريكي، بإضعاف الجيش والاقتصاد الروسي لأعوام، لكن كما يذكر كينز هناك مخاطرة من المبالغة في حرب اقتصادية تسبب أزمة تضخم وتردي الحياة المادية لدولة لديها قدرات عسكرية وحالة تظلم. الفوضى ربما تقود إلى حرب أوسع وأشد. قرأت مراجعة لكتابين عن الموضوع، أعرج عليهما باختصار شديد.

طبقا لكينز، فالحرب العسكرية غالبا تستطيع تشكيل الحالة السياسية، وأيضا التنظيم الاقتصادي. لكن تنتج عنها فوضى اقتصادية تستمر حتى بعد نهاية الحرب العسكرية، إما بسبب استمرار الحظر الاقتصادي والمالي، كما حدث مع ألمانيا قبل قرن، أو روسيا الآن، وإما كنتيجة عملية لصعوبة إعادة تشكيل الاقتصاد على أسس حديثة تخدم الأغلبية بكفاءة بسبب الهزات غير المتوقعة. كذلك صدر كتاب جديد بتوقيت مناسب للكاتب Mulder بعنوان «السلاح الاقتصادي» في كانون الثاني (يناير) 2022، وأيضا كتاب Weber بعنوان «كيف هربت الصين من العلاج بالصدمة؟»، وميزت الصين عن تجارب دول أوروبا الشرقية. الكتابان يراجعان تاريخ الحروب الاقتصادية وجذورها المؤسساتية والقانونية. لكليهما نقطة البداية رسالة لكينز لعصبة الأمم في 1924، حذر فيها من فاعلية الحرب الاقتصادية، وعدم قدرة البعض على التفريق بينها وبين الحرب العسكرية. أعجبني كتاب وبر في نقاش التجربة الصينية. كما بدأ العمود بالحالة التضخمية. رأت القيادة الصينية أن استقرار الأسعار ضروري للتنمية الاقتصادية التي نظرت لها كحرب اقتصادية. احتلال اليابان لمنشوريا في 1931 كان بهدف تفادي تجربة ألمانيا بعد الحرب الأولى، خاصة أن تجربة اليابان في التحديث كانت تحاول تقليد ألمانيا القيصرية. لكن الوطنيون الصينون قاوموا عسكريا ما جعل اليابان تقوم بحصار الموانئ ومنع المساعدات الأجنبية للمقاومة الصينية. الحصار والحرب سببا حالة تضخمية أدت إلى رفض الحكومة وتنامي دعم الشيوعيين الذين انتصروا 1949. هذه التجارب والتعلم من لكينز وظفها Chen Yun اقتصادي قيادي صيني عاشر الفترة حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي. قاد الصين في التحكم في الأسعار من خلال شعار: "لا نريد أسعارا في ارتفاع ولا أسعارا في نزول لأنها لا تخدم الإنتاج، الأفضل أن نتعرف على عبور النهر بتلمس الصخور"، لذلك طورت الصين تحرر الأسعار تدريجيا. حتى مع موجة الإصلاحات التي بدأت 1978 استمرت الصين تحت تأثيره. تجربة شن يون قبلها دنج شاوبنج وأنقذت الصين من العلاج بالصدمة الذي أضر بروسيا وأوكرانيا وآخرين.

نتائج التجربة - حسب الكتابين - أن الإشكالية من نوعين: الأول في مستوى المخاطر التي تقود إلى حروب أخرى، والآخر مدى التأثير في عولمة الاقتصاد الحر، كما تعبر عنها سياسة الاكتفاء الذاتي حتى محاولة الصين تعويم العملة كي تكون منافسة للدولار، وكذلك تأسيس نظام مدفوعات لتقليل الاعتماد على سويفت. لكن نصيحة وبر تمتد للدول الغربية بتفادي التضخم الذي بدأ يؤثر في العامة وتنامي سياسة الاكتفاء الذاتي، سياسات ونتائج تقود إلى الانعزال وتقليل الفعالية حتى لعدوات، كما ذكر مولدر.

 

نقلا عن الاقتصادية