قراءات في فقه المعاملات المالية (8)

22/05/2022 1
عادل عبدالكريم

استكمالا لما سبق الحديث عنه، سنحاول في هذه السطور تقديم شروحات مبسطة عن دور الفقه الاسلامي بشقه الخاص بالمعاملات في تطوير الاقتصاد والتمويل الاسلامي، وتحديدا سنحاول تقديم سطور مبسطة عن القواعد الفقهية الكبرى وتحديدا نماذج من قواعد أئمة المذاهب الفقهية في عصر الاجتهاد.

"استعمال الناس حجة يجب العمل بها"

المراد من "استعمال الناس" هنا ما يعبر عنه بالتعامل الكاشف عن الإجماع العملي والعادة المستمرة. ومن هذا المنطلق: "قد رجح جانب النظر العملي لأجل استقرار المعاملات حتى وصل الأمر في بيع المعدوم تبعا للموجود أنه إذا بدا صلاح في بعض أنواع جنس من الأجناس كنوع من الثمر اعتبرت الأنواع الباقية تابعة لما بدا صلاحه... والحاصل أن الناس قد صارت لهم خبرة ومعلومات على حسب العادة المستمرة وبذلك صارت الأغلاط في التقديرات نادرة، والحدس والتخمين مع هذه التجارب والمشاهدات وكثرة المعاملات يكادان يفيدان ظنا راجحا".

"المعروف عرفا كالمشروط شرطا"

وعلى هذا: "كل ما جرى عرف البلدة أنه من متناولات المبيع يدخل في البيع تبعا بلا ذكر". - وقد اختلف الفقهاء في ضابط ما يدخل في رأس المال وما لا يدخل في المرابحة وأخواتها. فمنهم من يرى أن العبرة لعرف التجار فيما يعتبر من المصاريف داخلا في رأس مال الشيء أو غير داخل. وهذا هو الرأي المعول عليه.

"التعيين عرفا كالتعيين نصا"

يمكن تحكيم هذا الضابط في فض المنازعات، ففيما لو اختلف المتبايعان في قبض السلعة أو الثمن، فالأصل بقاء الثمن بيد المشتري، وبقاء المبيع بيد البائع، ولا يعدل عن ذلك إلا ببينة أو عرف، ففي السلع التي جرت العادة فيها أن المشتري يدفع ثمنها قبل أن يفارق مجلس العقد، كاللحم والخضار ونحوهما، يحكم في ذلك العرف والعادة. ومن هذا القبيل ما ذكر بعض الفقهاء أن "من أعطى أستاذا- أي معلم الصناعة- ولده ليعلمه صنعة من دون أن يشترط أحدهما للآخر أجرة، فبعد تعلم الصبي لو طلب أحدهما من الآخر أجرة: يعمل بعرف البلدة وعادتها".

"لا ضرر ولا ضرار"

هذه القاعدة الشرعية الكبرى من أجلّ القواعد المنصوص عليها في التشريع الحكيم، إذ "فيها من الفقه ما لا حصر له، ولعلها تتضمن نصفه، فإن الأحكام إما لجلب المنافع أو لدفع المضار، فيدخل فيها... الضروريات الخمس التي هي حفظ الدين والنفس والنسب والمال والعرض". ويشمل هذا الحديث جميع أنواع الضرر، لأن النكرة في سياق النفي تدل على العموم.

ومعنى "ضرر": إلحاق مفسدة بالغير مطلقا، ومعنى "ضرار": إلحاق مفسدة بالغير على وجه المقابلة له، من غير تقييد بالمثل والانتصار للحق. لأن صيغة "مفاعلة" دالة على المشاركة. ويؤكد ذلك انتفاء فكرة الثأر، إذ انه يؤدي الى توسيع دائرة الضرر. وفي الواقع يكمن علاج التعدي: في التعويض عن الضرر، على أنه قد يحتاج إلى التأديب القضائي في بعض الحالات.

و من أبرز خصائصها أنها قاعدة عامة منسحبة على الضرر الخاص والعام، وتشمل دفعه قبل الوقوع بطرق الوقاية الممكنة، ورفعه بعد الوقوع بما أمكن بتدابير تزيل آثاره وتمنع تكراره. وتدل على «اختيار أهون الشرين لدفع أعظمهما. ويكاد يكون واضحا أن إنزال العقوبات بالمجرمين لا يتنافى مع هذه القاعدة، لأن فيها عدلا ودفعا لضرر أعظم وأعم.

"الضرر لا يزال بمثله"

ومن أمثلتها:

1- إذا اشتدت المخمصة في سنة المجاعة، وأصابت الضرورة خلقا كثيرا، وكان عند بعض الناس قدر كفايته وكفاية عياله، لم يلزم بذله للمضطرين، لأن الضرر لا يزال بالضرر أي بمثله.

2- لا يدفع جوع الفقير بتناول طعام الفقير مثله. كما لا تجب النفقة للفقير على فقير مثله من أقاربه.

3- إذا ظهر عيب قديم في المبيع، وحدث عيب عند المشتري، امتنع الرد بالعيب القديم، فالحل أن يلزم البائع بدفع الأرش عن الضرر القديم.

المراجع:

1- المدخل إلى قواعد الفقه المالي، د. علي أحمد الندوي، معهد الاقتصاد الاسلامي، جامعة الملك عبدالعزيز.

2- الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، زين الدين ابن نجيم، دار الكتاب العلمية.

3- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، محمد مصطفى الزحيلي، دار الفكر – دمشق.

 

خاص_الفابيتا