النظام الجديد للبنك المركزي السعودي (ساما)، الذي أُقر مؤخراً بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/36) بتاريخ 11 /4 /1442، منح البنك صلاحيات إدارية وتنظيمية واسعة مقارنة بالوضع السابق، تُمكنه من أداء مهامه والقيام بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه على الوجه الأكمل والأفضل، وتُمكنه أيضاً من مواكبة رياح التغيير ومرحلة التحديث والتطوير والتجديد، التي تعيشها المملكة، منذ انطلاقة رؤيتها المباركة في شهر إبريل 2016.
من بين أبرز الصلاحيات الواسعة التي كَفلها النظام الجديد للبنك، تمتعه بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وارتباطه تنظيما بالملك، وكذلك توسيع قاعدة مجلس الإدارة وفقاً للمادة الثامنة من النظام، بحيث يتكون المجلس من المحافظ (رئيساً للمجلس)، ونائبا للمحافظ، وخمسة أعضاء من غير موظفي الحكومة.
برأيي إن توسيع قاعدة مجلس الإدارة للبنك، سيتغلب على محدودية أعضاء المجلس الحالي عدداً ومن حيث تنوع الخبرات، والذي يتكون من المحافظ والنائب وثلاثة أعضاء من غير التنفيذيين (محافظ سابق وعضوان من رجال الأعمال). هذا بدوره سيعزز من قدرات المجلس المرتبطة بأعمال البنك وسيحسن من مخرجات القرارات التي ترتبط بخدمة أهدافه ووظائفه الرئيسة.
ومن هذا المنطلق، أتطلع عند إعادة تشكيل أعضاء المجلس الجديد للبنك وفقاً لنظامه المحدث، مراعاة التنويع بين خبرات الأعضاء بما يَخدم أهدافه وفقاً لما ورد بالمادة الثالثة من النظام، المتمثلة في المحافظة على الاستقرار المالي، ودعم استقرار القطاع المالي، وتعزيز الثقة به، ودعم النمو الاقتصادي، والذي يفرض الحاجة إلى استقطاب خبرة اقتصادية متعمقة، وأخرى مالية عميقة ترتبط بشؤون وسياسات الاستقرار المالي ودعم النمو الاقتصادي في المملكة، وكذلك خبرة ترتبط بالنواحي بالحوكمة وشؤون العلاقات الدولية، باعتبار أن القرارات والتشريعات الصادرة عن البنك قد يتخطى تأثيرها ببعض الأحيان المستوى المحلي ليمتد عالمياً بسبب ثقل المملكة المصرفي والمالي والاقتصادي دولياً.
واتطلع كذلك بأن يتم تطعيم الإدارة التنفيذية العليا للبنك على مستوى وكلاء المحافظ، بخبرات في قطاعات وأنشطة متخصصة أسندت لرقابة البنك، كقطاع التأمين وقطاع التأجير التمويلي، والمصرفية الإسلامية، وفي مجالات عمل أخرى من أعمال البنك، مثل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وحماية العملاء.
وأخيراً وليس آخراً، أتطلع إلى تحديث نظام مراقبة البنوك، ليعكس التطور المذهل الذي يشهده القطاع المصرفي السعودي في مجالات مالية متعددة، سيما وأن آخر إصدار للنظام كان في عام 1966، أي ما قبل 56 عاماً.
أخلص القول؛ أن البنك المركزي السعودي منذ إنشائه في عام 1952 تحت مسمى مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (طيب الله ثراه)، وهو يسير بُخطى واسعة وواثبة على مدى 70 عاماً مضت، وخير شاهد على ذلك، تصنيف وكالة «فيتش» الدولية النظام المصرفي السعودي كرابع أفضل وأقوى نظام مصرفي في العالم، بعد أستراليا وكندا وسنغافورة.
ولكن وفي ظل توسع وتنوع القطاعات والأنشطة المالية والمصرفية التي تخضع لرقابة البنك وتشعبها، وبالذات بعد أن أسندت إلى إشرافه قطاعات وأنشطة جديدة، كقطاع التأمين منذ عام 2003 ونشاط التأجير التمويلي منذ عام 1999، فإن الحاجة تفرض على البنك تبني استراتيجية عمل جديدة تنسجم وتتناغم مع نظامه الجديد.
برأيي أن انسجام الاستراتيجية الجديدة للبنك ومحاكاتها لنظامه الجديد، ستمكنه من تحقيق أهدافه المالية والاقتصادية المنشودة، وبالذات لو تزامن ذلك مع استحداث مناصب إدارية تنفيذية جديدة على مستوى الإدارة العليا للبنك، بما في ذلك تطعيم مجلس الإدارة بخبرات علمية وعملية تخدم أغراضه وأهدافه.
ولعلي أقترح أيضاً دراسة فكرة الفصل بين منصب ومهام المحافظ ومنصب ومهام رئيس مجلس الإدارة، بحيث يكون هناك منصبان لكلا منهما مهام ومسؤوليات مختلفة عن الآخر، مما سيمكن المحافظ من التفرغ التام لمتابعة والإشراف على مهام العمل اليومية الرئيسة للبنك، في حين يتولى رئيس المجلس القيام بالمهام المرتبطة بتمثيل المملكة في المنظمات والمحافل الدولية ذات العلاقة والارتباط التي إما أن تكون المملكة أحد مؤسسيها أو عضواً فيها، مثل مجلس الاستقرار المالي، ولجنة "بازل" وغيرها من المجالس واللجان، وبحيث يكون دوره أيضاً مرتبطاً بالتمثيل الدبلوماسي والسياسي ذو الطبيعة المالية والمصرفية في المحافل والمؤتمرات والفعاليات والمناسبات الدولية، مثل اجتماعات صندوق النقد الدولي، واجتماعات مجموعة دول العشرين، وغيرها من المحافل والفعاليات والمناسبات الدولية.
باعتقادي أن مثل هذا الاقتراح، سيمكن البنك من المساهمة الفاعلة في التسريع من عملية التطور والتحول التي يشهدها القطاع المالي في المملكة على وجه العموم والقطاع المصرفي على وجه الخصوص تحت مظلة برنامج تطوير القطاع المالي، أحد أبرز برامج رؤية المملكة الطموحة 2030.
ولعلي أقترح أيضاً أن يتم التفكير في فصل قطاع التأمين عن إشراف ومراقبة البنك المركزي، بحيث يصبح كياناً منفصلاً ومستقلاً تماماً عن البنك يعمل تحت مظلة هيئة متخصصة، نظراً لأهمية الاقتصادية من جهة، وبغية التحسين من مستوى الأداء والكفاءة التشغيلية من جهة أخرى، ولنا في ذلك أسوة حسنة عندما قررت الحكومة تأسيس هيئة السوق المالية في عام 1426، ونقل مهام تشغيل وتنظيم أعمال سوق الأسهم اليومية من مؤسسة النقد العربي السعودي آنذاك للهيئة، وكيف انعكس ذلك على إيجابيا على أداء السوق.
نقلا عن الرياض