أظهرت الحرب الروسية للعيان أرقاماً مذهلة بشأن اتكالية معظم الدول العربية على القمح الأوكراني والروسي في تأمين رغيف الخبز، والحقيقة أن العالم العربي لم يكن طوال تاريخه معتمداً إلى هذا الحد على استيراد القمح، فقد كان الإنتاج المحلي يسد معظم حاجة السوق أو القسم الأكبر منها، غير أن إهمال زراعة استراتيجية كالقمح أدى إلى تدهور الإنتاج مما زاد من الاعتماد على الخارج، حيث يتركز الإنتاج الزراعي في كثير من الدول العربية على زراعات تصديرية تأتي بالعملات الصعبة كبعض أنواع الخضار والبطاطا والحمضيات، ومن هنا ينبغي إعادة النظر في السياسات الزراعية بحيث تُعطى زراعة الحبوب أولوية قصوى في الدعم الحكومي.
تساهم روسيا وأوكرانيا سنوياً بأكثر من ربع الصادرات العالمية من القمح، أي بنحو 55 مليون طن، وبحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية "الفاو" فإن القسم الأكبر منها يتم شحنه عبر البحر الأسود إلى مختلف الوجهات وعلى رأسها دول عربية أهمها مصر واليمن ولبنان وتونس والمغرب وليبيا واليمن والأردن، ما يدل على حجم الخطر المحدق بأمنها الغذائي، ولكن السؤال: ما هي البدائل؟.. الواقع أنه قبل أن تصبح روسيا وأوكرانيا الأهم في تصدير القمح، كانت الدول العربية تعتمد على فرنسا وكندا والولايات المتحدة والأرجنتين ورومانيا في تأمين وارداتها من القمح والحبوب، ومع اندلاع الحرب، تبدو الحاجة ملحة لإعادة طرق أبواب هذه الدول بسرعة من أجل سد أي نقص قد يعرقل توفير رغيف الخبز في العالم العربي.
لا شك أن الاعتماد على دول تقليدية في تصدير القمح مثل فرنسا وكندا والأرجنتين والهند يشكل الطريق الوحيد لحل مشكلة نقص الإمدادات في المدى القصير، غير أن احتمال ارتفاع الأسعار من 360 دولار حالياً إلى 500 دولار يجعل مشكلة الاعتماد على الخارج بحاجة إلى تمويل إضافي لا تقدر عليه معظم الدول العربية إلا إذا تمكنت من الحصول على قروض مستعجلة، لأن موازناتها مُرهقة، وأي زيادة في أعباء الاستيراد تعني المزيد من العجز والتقشف، ومن المؤكد أن العرب لن يستطيعوا شراء القمح الروسي الآن بالسعر الذي كانوا يحصلون عليه قبل الأزمة.
نعتقد أن الأمر يتطلب دعم كبير من الحكومات العربية للقطاع عبر شراء المحصول بأسعار مشجعة، وتطوير بذور مقاومة الجفاف، وتقديم قروض ميسرة لتوفير مستلزمات الإنتاج، ولدينا تجارب في دول كالعراق والجزائر جربتا سياسات دعم مختلفة خلال سنوات مضت وحققتا الكثير من النجاحات، ففي العراق مثلا قُدّر إنتاج القمح العام الماضي برقم قياسي زاد على 5 ملايين طن تكفي لتحقيق القسم الأكبر من الاكتفاء الذاتي، بفضل دعم الأسمدة والبذور ومستلزمات الإنتاج، إضافة إلى شراء الحبوب المنتجة محلياً بأسعار تشجيعية تزيد على السعر العالمي، ولا شك أن مثل هذه التجارب يمكن البناء عليها مستقبلاً لتحقيق حلم الاكتفاء الذاتي من الأغذية الرئيسية.
خاص_الفابيتا
أعجب ثم أعجب ثم أعجب دولة كمصر بنيلها العظيم وأراضيها المنبسطة ومخزون مياهها الجوفية الهائلة وتستورد أكثر من نصف إحتياجها من سلعة إستراتيجية كالقمح من الخارج. جزء بالشراء وجزء بالشحاذة (معونات) !!!