من يقطع الاتصال بالإنترنت .. روسيا أم الغرب؟

06/03/2022 0
د. فهد الحويماني

بحكم الخبرة والاختصاص أقوم هنا بإيضاح طبيعة الاتصال بالإنترنت من حيث خطوط الاتصال وأسماء النطاقات وعناوين الإنترنت IP، وعلاقة ذلك بعمل الإنترنت ومدى تأثر خدمة الإنترنت في حال قامت روسيا، أو أي جهة أخرى، بأعمال تخريبية بهدف إعاقة الوصول إلى خدمات الإنترنت.

كذلك أجيب عن الجزئية الأخرى المقابلة .. عن مدى قدرة بعض الدول لعزل روسيا عن الإنترنت العالمية.

نحتاج إلى تقسيم الإنترنت إلى عدة أركان رئيسة لنتمكن من الإجابة عن سؤال المقال: عندما نتكلم عن الإنترنت فهناك خطوط الاتصال سواء جوية أو أرضية أو بحرية، وهناك عناوين الإنترنت IP الخاصة بكل جهاز مرتبط بالإنترنت، وهناك أسماء النطاقات، مثل xyz.com، ثم هناك المحتوى من بيانات وبرامج خاصة بها وأماكن تشغيلها. لذا عندما نتحدث عن إمكانية قطع الاتصال بالإنترنت علينا تحديد أي ركن من هذه الأركان سيتم قطعه وما التأثيرات المحتملة لهذا الانقطاع؟

أخطر الطرق لقطع الاتصال بالإنترنت تتم من خلال قطع خطوط الاتصال، وهذا يتطلب تعطيل أبراج المايكروويف والأقمار الاصطناعية والكابلات الأرضية والبحرية، وبالتالي هنا يكون الاتصال مقطوع بشكل كامل عن الجهة التي تعتمد على هذه الخطوط، فيتوقف الاتصال بالعالم الخارجي بشكل كامل. وهنا نحتاج إلى التفريق بين الإنترنت الداخلية والإنترنت الخارجية. فبعض الدول لديها إنترنت داخلية لا تعتمد على خطوط الإنترنت الدولية، وهي بطبيعة الحال مفيدة في إمكانية استمرار استخدام الإنترنت على نطاق داخلي، بمعنى أن المحتوى المتاح سيكون فقط المحتوى المحلي، إضافة إلى ما تم جلبه سابقا من الإنترنت الدولية وتخزينه محليا. الهدف من إيجاد إنترنت وطنية ليس بالضرورة لأسباب سياسية داخلية، كم يحدث في إيران وكوريا الجنوبية والصين وبعض الدول الأخرى، بل إن الحاجة إلى هذا النوع من الإنترنت أمر ضروري لأي دولة، كون ذلك يعني استمرار استخدام الإنترنت في حال وجود انقطاع في الاتصال الدولي. وللقيام بذلك تحتاج الدولة، إضافة إلى خطوط الاتصال الداخلية، إلى أن يكون لديها برامج وتجهيزات فنية ومقاسم وموجهات تعمل تماما كما تعمل عليه الإنترنت العالمية، وتستخدم الأنظمة والبروتوكولات الفنية نفسها. مثل هذه التجهيزات تسمح بتبادل المعلومات بين شخصين داخل الدولة دون الاتصال بجهة خارجية.

معظم الحركة الدولية على شبكة الإنترنت، بنسبة تتجاوز 99 في المائة، تتم عبر الكابلات البحرية، وهي كابلات ألياف بصرية بعضها عائمة في قاع البحار وبعضها مدفونة على عمق عدة مترات تحت أراضي البحار، وذلك حسب سماكة الكابلات المستخدمة ومدى الحاجة إلى حمايتها من التلف. يوجد حاليا نحو 380 كابلا بحريا تدار من قبل عدة شركات حول العالم تبلغ أطوالها أكثر من مليون كيلومتر، يستفاد منها، على سبيل المثال، من قبل شركات تقديم خدمات البيانات في المملكة.

بالإمكان قطع هذه الكابلات البحرية لأهداف تخريبية ولكن ذلك يتطلب إمكانات عالية من غواصات وخبرات ميدانية ومعرفة خاصة بأماكن وجود الكابلات في قاع البحار، إضافة إلى أن كثيرا من الدول لديها عدة قنوات بديلة للاتصال الدولي تشمل الأقمار الاصطناعية على سبيل المثال. لذا فإن قطع كابلات الاتصالات، علاوة على أنه عمل إجرامي، فهو محدود الفائدة ومن غير الوارد حدوثه بهذا الشكل.

ماذا لو حاولت الدول الغربية إيقاف خدمة الإنترنت عن روسيا من خلال حجب خدمة أسماء النطاقات عن روسيا؟ هذه الخدمة العالمية تدار من قبل الولايات المتحدة حاليا ودورها يتمثل في ترجمة اسم الموقع إلى عنوان إنترنت، أي التحويل من xyz.com إلى رقم IP، وهو الرقم الذي تعتمد عليه أجهزة الإنترنت. هذا الخيار محدود الفائدة لأن النتيجة ستكون فقط شطب أسماء المواقع التي تنتهي برمز روسيا .ru، ولكن من المعروف أن كثيرا من المواقع والخدمات الإلكترونية لا تعمل تحت اسم نطاق الدولة. فمثلا في جميع الدول هناك أعداد كبيرة من المواقع غير المسجلة تحت نطاق الدولة، وهي المواقع التي لا ينتهي اسمها بحرفي الدولة، مثل .sa فيما يخص النطاق السعودي. لذا فإن معاقبة روسيا بوقف خدمة أسماء النطاقات للأسماء الروسية محدودة الفائدة.

ماذا عن إيقاف عمل جميع المواقع الروسية من خلال عناوين الإنترنت الخاصة بها IP address؟ أي عدم الاعتماد على اسم النطاق بل حجب الوصول إلى عناوين الإنترنت الروسية التي تعمل عليها المواقع الروسية؟ في الواقع لا فائدة من ذك والسبب أن عناوين الإنترنت IP ليست مرتبطة بأسماء الدول، فلا توجد علاقة مباشرة بين العنوان والدولة، ناهيك عن وجود طرق كثيرة لتجاوز العنوان حتى إن تم التيقن من ارتباطه بدولة معينة. الإجابة عن السؤال هل تستطيع روسيا قطع خدمة الإنترنت عن العالم هو أن أي جهة تخريبية لديها الإمكانات اللازمة للوصول إلى قاع البحار ومعرفة أماكن وجود الكابلات يمكنها القيام بذلك بكل تأكيد، مع ملاحظة أن هناك مئات الكابلات في أماكن كثيرة حول العالم. وفيما يخص تعطيل خدمات أسماء النطاقات وعناوين الإنترنت من قبل روسيا نفسها، فهذا أمر غير وارد لأن روسيا لا تستطيع تعطيل خدمات النطاقات والعناوين عن دول أخرى، بل تستطيع عمل ذلك بسهولة تامة عن سكانها، وليس عن سكان الدول الأخرى. كثير من الدول لديها بوابات رقمية للوصول إلى الإنترنت، تشمل خدمات أسماء النطاق الخاصة بها، أما خدمات النطاق العالمية فهي تدار من قبل أجهزة خاصة موجودة في الولايات المتحدة. لذا فلا يمكن لأي دولة تعطيل أسماء النطاقات عن الآخرين، بل يمكنها عمل ذلك فيما يخص سكانها فقط.

إذن التساؤل هو عن مقدرة الدول الغربية في تعطيل الإنترنت عن روسيا بطرق برمجية غير تخريبية، وهنا كما ذكرنا الخيارات محدودة لأن طبيعة هيكل الإنترنت لا تعتمد على الأماكن الجغرافية في توجيه البيانات. وعلى الرغم من ذلك، يمكن لمزودي خدمات الكابلات الدولية إيقاف عمل الكابلات الخاصة في دولة ما، إلا أن ذلك لن يجدي نفعا إلا إن قامت جميع شركات الكابلات بوقف الإنترنت الروسية. والأهم من ذلك كله أنه لا جدوى هناك من القيام بذلك، فهل الهدف من تعطيل الإنترنت منع الشعب الروسي من الاتصال بالإنترنت؟ لا يبدو أن ذلك من أهداف الدول الغربية ولا هو من أهداف العقوبات المقرة على روسيا، بل ربما أن ذلك أقرب للتوافق مع توجهات الحكومة الروسية التي لديها منذ فترة طويلة مشاريع تقنية تهدف من خلالها إلى السيطرة على خدمة الإنترنت في روسيا وحجب الإنترنت عن سكانها. لذا فإن كان هناك حاجة إلى تعطيل الإنترنت عن روسيا فربما يتم ذلك بمحاولة الحد من مقدرة الحكومة الروسية ووسائل الإعلام الخاصة بها من الترويج لسياسات معينة في هذه الأوقات المتأزمة، ولكن كما هو معروف فكثير من المواقع والخدمات الإلكترونية لكثير من الدول تعمل في الخارج بشكل كامل بعيدا عن الدولة ذاتها، بدءا بأسماء المواقع غير المرتبطة باسم الدولة، إلى عنوان الإنترنت الذي كذلك لا يرتبط باسم الدولة، إلى موقع الجهاز الذي يدير الموقع الذي غالبا هو الآخر يعمل في دولة أخرى.

ختاما، إمكانية أن تؤدي الأزمة الروسية الأوكرانية إلى تعطيل الإنترنت الروسية أو العالمية ليس بالأمر العملي الهين، ولا جدوى من القيام بذلك.

 

 

نقلا عن الاقتصادية