كيف تجاوزت أسعار العقار القدرة الشرائية؟

28/02/2022 12
عبد الحميد العمري

تداولت مختلف وسائل الإعلام أخيرا تصريحا لمسؤول بوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، الذي ذكر أن الوزارة وجدت أن أسعار العقار في الرياض بدأت تفوق القدرة الشرائية، وأن هناك أراضي بيضاء مساحتها أقل من المرحلة الأولى ما زالت موجودة لم يتم تطويرها بشكل كبير. ولمزيد من الإيضاح في هذا الشأن، فإن أسعار العقار فاقت القدرة الشرائية في أغلبية مناطق المملكة، وليس في مدينة الرياض فحسب، وهو ما سبق الكشف عنه في عديد من التقارير العقارية الأسبوعية في صحيفة «الاقتصادية»، خاصة خلال العامين الأخيرين 2020 ــ 2021 وفقا للبيانات المنتظمة الصدور عن وزارة العدل، وارتباط تلك الارتفاعات المتسارعة في أسعار الأراضي والعقارات بالزيادة غير المسبوقة في حجم القروض العقارية الممنوحة للأفراد خلال الفترة 2019 ــ 2021، التي ناهزت 396 مليار ريال، ولعبت دورا رئيسا في الدفع بالأسعار السوقية نحو الارتفاعات المتتالية طوال تلك الفترة، وتزامنت مع ضعف تأثير وفعالية الرسوم في الأراضي البيضاء، وهو ما يفسر نهاية التصريح المشار إليه أعلاه بقول مسؤول الوزارة "إن هناك أراضي بيضاء مساحتها أقل من المرحلة الأولى ما زالت موجودة لم يتم تطويرها بشكل كبير"، وأكده في الوقت ذاته تدني إجمالي ما تم إنفاقه من متحصلات الرسوم على الأراضي البيضاء على عديد من مشاريع الوزارة الإسكانية، بما لا يتجاوز 2.2 مليار ريال منذ بدء العمل بنظام الرسوم على الأراضي البيضاء حتى تاريخه.

وبالنظر إلى تأثير جميع ما تقدم ذكره أعلاه على جانبي العرض والطلب في السوق العقارية المحلية، سيتأكد أن جانب الطلب قد تم تحفيزه خلال الأعوام الثلاثة الماضية فقط بنحو 396 مليار ريال، وسيرتفع حجم ذلك التحفيز إلى نحو 454 مليار ريال خلال الفترة التي تتزامن مع فترة تنفيذ المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء حتى نهاية 2021. في المقابل، وحسبما تؤكده تصريحات وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان لم يتجاوز ما تم إنفاقه من متحصلات الرسوم على الأراضي للفترة نفسها سقف 2.2 مليار ريال، وهو الأمر المرتبط بتحفيز جانب العرض لضخ مزيد من الأراضي لمصلحة الانتفاع والتطوير والاستخدام، والعمل من ثم على تحقيق التوازن المنشود بين جانبي العرض والطلب، إلا أن كل ذلك لم يتحقق، كما تؤكده مستويات الأسعار السوقية للأراضي والعقارات، وفقا لبيانات وزارة العدل، وكما يؤكده التصريح الأخير للمسؤول في وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، وكما تؤكده المقارنة البسيطة بين حجمي التحفيز لجانبي العرض والطلب، التي أظهرت تفوق تحفيز الطلب "454 مليار ريال" بأكثر من 206 مرات مقارنة بتحفيز العرض "2.2 مليار ريال".

الأسئلة المطروحة في السياق، متى اكتشفت الوزارة هذه الارتفاعات في الأسعار وتجاوزها القدرة الشرائية؟ هل كان في وقت مبكر من التاريخ الراهن؟ أم أنه حدث أخيرا؟ وبماذا ستقوم به من سياسات وإجراءات لازمة للعمل على إصلاح هذا التفاوت الكبير بين القدرة الشرائية من جانب، ومن جانب آخر مستويات الأسعار المتضخمة لمختلف الأصول العقارية "أراض، عقارات"؟ وتأكيد أن مضمون الإجابة عن السؤال الأخير المتعلق بماذا ستقوم به الوزارة في مواجهة هذا الصدد، هو الجانب الأهم الذي ستعتمد عليه الأوضاع المستقبلية للسوق، وبناء عليه يمكن التعرف بدرجة أكبر على الاتجاهات المحتملة مستقبلا للأسعار. ففي حال لجأت الوزارة إلى خيارات البحث ــ رغم ندرتها خلال الفترة الراهنة ــ عن زيادة حجم الإقراض العقاري للأفراد، ظنا منها أنه سيقلص الفجوة الكبيرة بين القدرة الشرائية والأسعار السوقية، فهذا سيعني بالتأكيد مزيدا من اتساع تلك الفجوة، وسيعني أيضا مزيدا من ارتفاع وتضخم مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، وهذا سيقود إلى مزيد من التوغل في عمق التحديات الراهنة، وزيادة أكبر في تكلفة الحلول المستقبلية للخروج منها، عدا ما سيقود إليه هذا الخيار من ارتفاع أكبر لحجم الديون العقارية على كاهل الأفراد، وزيادة مخاطرها على القطاع التمويلي تحديدا، إضافة إلى الاستمرار في زيادة التحديات الاقتصادية، والتأكيد هنا على أنها النتائج التي لا يريد أي طرف من الأطراف أن تحدث بأي حال من الأحوال.

أما في حال لجأت الوزارة إلى الخيارات الأكثر جدوى، التي تستهدف خفض التضخم الراهن في الأسعار، والعودة بها إلى المستويات العادلة الملائمة للقدرة الشرائية، فإنه بالتأكيد سيكون الخيار الأمثل! ولكن كيف لها أن تعمل على تنفيذ هذا الخيار إلا بالعمل على تنفيذ عديد من الإجراءات، التي يأتي في مقدمتها: "1" معالجة ضعف آلية احتساب تكلفة الرسوم على الأراضي المشمولة بنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، وأن تعتمد السعر السوقي للأرض بدلا من منهجية التقييم الراهنة البعيدة عن أسعار السوق، وهو ما سبق الحديث عنه طوال الأعوام الماضية، وأن اعتماد السعر السوقي للأرض "بحال كان ألف ريال للمتر المربع" كوعاء لاحتساب الرسم عليه، أفضل بكثير من تقييم متر الأرض نفسه بما لا يتجاوز 50 ريالا للمتر المربع، ويسهم في تحقق الفعالية اللازمة للنظام، ويحقق هدفها الرئيس. "2" الإسراع في تنفيذ بقية المراحل التنفيذية للنظام، وتوسيع نطاقها على مستوى جميع المناطق والمحافظات.

وبالتزامن مع ما تقدم، تقع على البنك المركزي السعودي مسؤولية العمل على تحقيق مزيد من ضبط القروض العقارية الممنوحة للأفراد، والعمل على ألا تتجاوز استقطاعاتها الشهرية من 35 إلى 40 في المائة بحد أقصى من الدخل الشهري للمقترض، وعلى أنها قد تكون خطوة متأخرة مقارنة بالأعداد الراهنة للمقترضين عقاريا، إلا أنها خطوة بالغة الأهمية يمكن الاعتماد عليها أيضا بإلزام المؤسسات الممولة، بالعمل على إعادة هيكلة القروض العقارية الراهنة للمقترضين السابقين وفقا لتلك المنهجية المقترحة هنا، التي ستسهم في خفض الضغوط المعيشية على الأفراد، وتسهم أيضا في خفض معدلات المخاطرة على المؤسسات الممولة. تعد هذه الإجراءات من أهم الحلول اللازمة خلال الفترة الراهنة، وسيمتد الحديث عنها في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.

 

نقلا عن الاقتصادية