ليس هناك شخص على وجه الأرض يرضى أن يتكبد أموالًا أكثر من المطلوب أو السعر العادل؛ وهذا هو السبب الرئيس في أن الكثيرين يعدون التضخم اسماً لمصطلح سيئ السمعة، ومع ذلك، فإن الجانب النفسي البغيض للتضخم، يجعل من الصعب علينا تحديد الرابحين والخاسرين منه بوضوح؛ لأنه على الرغم من أن ارتفاع الأجور ونمو الوظائف، إلا أن المستهلكون يشعرون بالقلق إزاء حالة الاقتصاد المستقبلية، ولذلك، فإن الشاغل الأكبر للبنوك المركزية الآن هو تجنُب دوامة ارتفاع الأجور والأسعار.
والواقع، أن المستهلكون بشكل عام مرهقون من مستوى الفوضى التي نعيشه بسبب أزمة استمرار الوباء، والتضخم أحد أعراض الأزمة، فإذا كان الاقتصاد ينتعش تدريجياً، فإن الزبائن القلقون يتساءلون إلى متى سينتعش؟، ولصالح من ينتعش؟ وهل ينتعش بطريقةٍ صحية أم لا؟، لكن التضخم في المجمل يعد دليلاً ملموساً على أننا لا نعرف كيف تمضي الأمور في المستقبل الغامض.
إذا أردنا أن نقيس حالة، فسنضرب المثل بالمستهلكين في أكبر اقتصاد عالمي، فالتضخم القياسي هناك قد يكون شيئًا مقبولاً للأمريكيين من الطبقة العاملة، خاصةً أولئك الذين يجب عليهم سداد ديون ذات فائدة ثابتة مثل الرهن العقاري لمدة 30 عامًا؛ وذلك لأن الأجور في ارتفاع، الأمر الذي يوفر لهم الحصول على المزيد من المال لسداد الديون؛ وبالإضافة إلى ذلك، ففي حالة وجود قرض عقاري، ستكون مدفوعاتهم الشهرية هي نفسها، ولكن قيمة منازلهم ستزيد، أما الخاسرين من هذا التضخم فهم أصحاب الثروات الذين يستثمرون مبالغ ضخمة في السندات الحكومية؛ إذ ستتقلص القوة الشرائية لمدخراتهم.
تشكل الرهون العقارية في الولايات المتحدة، والغالبية العظمى منها عبارة عن قروض ثابتة السعر لمدة 30 عامًا، ما يقرب من 11 تريليون دولار من ديون أمريكا القياسية؛ وفي الوقت نفسه، ترتفع الأجور جنبًا إلى جنب مع الأسعار، مما يؤدي إلى تقلص القيمة الحقيقية للدين، وتنطبق مزايا التضخم نفسها على الأمريكي الذي يسدد قروض الطلاب الفيدرالية، والتي لها أيضًا معدل فائدة ثابت، ومع زيادة دخله، يحصل على خصم سداد، وحتى الآن لم يواكب نمو الأجور زيادات الأسعار، لكن ذلك قد يتغير حينما تبدأ اختناقات الشحن في التراجع.
بالطبع، لا تنكمش كل الديون مع التضخم، فقد ارتفعت أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان، والتي لا تعد ثابتةً إلى حد كبير، هذا العام إلى متوسط 17.13%، وفقًا للاحتياطي الفيدرالي، وأي شخص يعيش على دخلٍ ثابت، مثل المتقاعدين، الذين لا يستفيدون من زيادات الأجور، من المؤكد أنه يشعر بمعاناة زائدة مع ارتفاع الأسعار، وهناك مجموعة أخرى تتعرض للضرر وهم الأشخاص الذين يتعاملون مع السندات الحكومية، فهناك الأسر الأمريكية التي تملك أكثر من مليون دولار، والذين يستثمرون عادةً في الأسهم والسندات، فهؤلاء يخسرون مع ارتفاع معدلات التضخم، ويرجع هذا إلى أن حاملي السندات، الذين يقرضون الأموال للحكومة بالأساس، سيجرى سداد مستحقاتهم بأموال ذات قوة شرائية أقل.