أوروبا على حافة صراع مزمن

20/02/2022 1
محمد العنقري

خطورة الأزمة الملتهبة بين روسيا وأوكرانيا لا أحد يختلف على أنها ستكون كارثية ليس على الدولتين أو قارة أوروبا بل ستطال آثارها السلبية أغلب دول العالم نظراً لأن المواجهة لن تكون بين إحدى أقوى الدول عسكرياً وهي روسيا بل لأن الطرف الآخر ليس أوكرانيا بل من يقف معها وهو حلف الناتو الذي يضم القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية فإذا ما توسعت المواجهات بينهم فإنها ستكون حرباً عالمية ثالثة بامتياز وبين قوى تملك أسلحة دمار شامل كما أنها المواجهة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية قبل حوالي 80 عاماً فالعالم يحبس أنفاسه خوفاً من أن ينفجر هذا الصراع الذي يعيش آخر مراحل المحاولات الدبلوماسية لنزع فتيل الأزمة وكل طرف متمسك بمطالبه إلا أن أغلب الأنظار تتجه لحسابات الربح والخسارة على الاقتصاد العالمي الذي لم يخرج بيقين كامل من تداعيات أزمة جائحة كورونا.

فالقارة الأوروبية تمثل ما يقارب 30 بالمائة من الاقتصاد العالمي كما أنها دول متقدمة صناعياً وتكنولوجياً فهي من كبرى الدول تصديراً للمعدات والآلات والسلع الزراعية ولديها كبرى شركات العالم من حيث الدخل التي يزيد عددها عن 200 شركة بالإضافة لقوة هائلة بنظامها المالي فالحرب إذا نشبت ستتسبب بإقرار عقوبات اقتصادية على روسيا من قبل أغلب دول أوروبا وأميركا كما توعدوا في مناسبات عديدة وأكدوا أنها لن تكون مسبوقة بحجمها وتأثيرها على الاقتصاد الروسي الذي يبلغ حجمه 1.6 تريليون دولار وهو ما يعادل 10 بالمائة تقريباً من حجم اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي فروسيا كما تشير تصريحات مسؤولي دول الناتو ستحرم من الحصول على التكنولوجيا وكذلك لن تكون أسواق أوروبا مفتوحة لبضائعها ولن تحصل شركاتها على فرص تمويل من البنوك الأوروبية لتوسيع أعمالها مما قد يؤدي لانكماش اقتصادي بروسيا وارتفاع بالتضخم نتيجة تقلص الإنتاج ومنع تصدير سلع من أوروبا وأمريكا لأسواقها في حال طالت العقوبات حزماً واسعة من المنتجات والخدمات وبالمقابل فيما لو توقف تصدير الغاز والنفط الروسي لأوروبا فإن أسعار الطاقة سترتفع بشكل حاد يصعب تعويض الكميات التي تصدرها روسيا لهم في وقت قصير وبنفس التكلفة مما سيؤدي أيضاً لانتقال التضخم لتلك الدول وللعالم الذي ترتفع فيه معدلات التضخم بأرقام لم تصلها أغلب الدول منذ ثلاثة عقود وأكثر فالمشهد سيكون قاتماً على الاقتصاد العالمي حتى لو بقيت المواجهات العسكرية فيما لو حدثت محصورة بين روسيا وأوكرانيا.

فهذا الملف الذي بدأ يتحول لصراع مزمن أوروبي أمريكي من جهة وروسي من جهة أخرى فيما لو حدثت المواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا إذ إن الفجوة بينهم في الخلافات السياسية ستتسع ويصعب حلها بسهولة وسينتقل أثرها إلى الاقتصاد الأوروبي والعالمي فروسيا التي تعد من كبرى دول العالم في تصدير الغاز بالعالم تستورد أوروبا منها أكثر من60 بالمائة من الغاز الروسي المصدر بينما تكفي هذه الكميات لتغطية 40 بالمائة من احتياج أوروبا مجتمعةً من الغاز وكذلك النفط الروسي يصدر جزء كبير منه لأوروبا فيما تعد روسيا من اكبر مصدري القمح بالعالم حيث تبلغ حصتها 20 بالمائة تقريباً من أصل 203 ملايين طن من القمح الذي يتم تصديره بين دول العالم وأغلب أسواقها هي الشرق الأوسط وأفريقيا فأي تعطل بصادراتها وكذلك أوكرانيا التي يبلغ حجم صادراتها من القمح ما يعادل 9 بالمائة من صادرات العالم سيؤدي لارتفاع بالأسعار وتأثير بالغ بتكلفة المعيشة في الدول الفقيرة التي تستورد القمح وتعتمد عليه كأحد أهم مصادر الغذاء، فهذه الآثار السلبية على المدى القصير لن تكون هي نهاية المطاف بل إن التداعيات ستكون أكبر بالمستقبل حيث ستتوجه روسيا بكل تأكيد لأسواق أخرى لبيع غازها ونفطها الذي قد تطاله العقوبات رغم دعوات بعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا لاستثناء الطاقة من أي عقوبات إلا أن الأوروبيين أيضاً سيتحولون بوتيرة أسرع للطاقة المتجددة وكذلك قد يتخذون بعض الإجراءات التي تسمح لشركات الطاقة عندهم بعودة الاستثمار بالغاز مما يعني فيما لو تقلص اعتماد أوروبا على الطاقة من روسيا خسارتها لواحد من أكبر أسواق العالم ولا يمكن تعويضه بسهولة كما أن أثر ذلك على اقتصادها سيكون كبيراً لأن الغاز والنفط مصدران مهمان لموارد الاقتصاد الروسي.

يحاول قادة حلف الناتو تأكيد أن روسيا لديها نوايا لغزو أوكرانيا وأعطوا تواريخ لبداية الغزو هدفهم من نشرها تحييد عنصر المفاجأة لكن العامل الأهم هو أن أوروبا تعيش مخاضاً عسيراً بأزمة روسيا وأوكرانيا ولا تبدو الأجواء إيجابية بما يكفي لحل هذا النزاع الذي ينظر كل طرف فيه إلى أنه محق بتوجهاته ومطالبه التي ترتكز على حماية الأمن القومي لكن آثار هذه الأزمة لو تصعدت للمواجهة العسكرية ستفتح الباب على صراع مزمن بين الناتو وأوروبا عموماً مع روسيا ومن يقف معها ويبقى أثره لفترة طويلة على الاقتصاد العالمي سلبياً وقد يقود لهبوط حاد بنموه أو لركود تضخمي ببعض الدول المهمة بالاقتصاد العالمي في قارة أوروبا وذلك بحسب تطورات الأزمة وتعقيداتها وإلى أي مدى قد تصل المواجهات بينهم.

 

 

نقلا عن الجزيرة