ثمن الحرب الروسية.. التضخم والإمدادات

17/02/2022 1
د. خالد رمضان عبد اللطيف

ربما لا يجادل أحد اليوم في أن الغزو الروسي المحتمل على أوكرانيا ستكون عواقب كارثية على الاقتصاد العالمي، فموسكو المتشعبة في التجارة الدولية عضو فاعل وعملاق في إنتاج السلع الاستراتيجية، وفي مقدمتها النفط والغاز والقمح، وهي أكبر تاجر للسلاح، وشعبها ينفق الكثير على قطاع السياحة العالمي، ومن شأن اضطراب الصادرات الروسية أن ترتفع السلع، مما يزيد الضغوط التضخمية، وخطر اندلاع فوضى في سلاسل التوريد، وهذا ما حدث على سبيل المثال في أسعار النفط التي قفزت قرب المائة دولار، وهو أعلى مستوى منذ 2014، في ظل تزايد القلق بشأن استمرارية تدفقات الخام الروسي.

رغم تأكيدات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن أوروبا قادرة على الاستغناء عن الغاز الروسي خلال فصل الشتاء الحالي، إلا أننا نعتقد أن تأمين إمدادات الغاز لا يزال مشكلة للقارة العجوز، وخاصة ألمانيا، ولا يمكن حل معضلة نقص إمدادات الطاقة بهذه السرعة الفائقة، لذا فإن إغلاق صنبور الغاز أمام العملاق الأوروبي سيضر بالنمو وسيعرقل سلاسل التوريد العالمية، ومن الصعب التنبؤ بكيفية سقوط قِطَع الدومينو، فإذا وصلت أسعار النفط مثلاً إلى 120 دولارًا، فقد يجعل هذا الأمر الارتفاع التضخمي أطول أمدًا مما يعتقده البعض، وقد يؤدي الغزو إلى قطع رابط آخر في سلسلة توريد السيارات المتهالكة، باعتبار أن موسكو أكبر مورد عالمي للبلاديوم المستخدَم في محولات الحفز التي تزيل انبعاثات السيارات.

الراجح أن التداعيات المحتملة للغزو الروسي ستزيد من قوة الرياح المعاكسة التي كان المستثمرون يواجهونها بالفعل مع بداية العام الجاري في ظل توجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع أسعار الفائدة في مارس المقبل، وتراجع المؤشرات الاقتصادية في أوروبا وأمريكا، وبما أن روسيا ثالث أكبر منتج للقمح في العالم، بينما تحوي أوكرانيا مزارع قمح ضخمة، فإن التهديدات الراهنة تشمل زيادة أسعار الحبوب، حتى دون حدوث اضطرابات كبيرة في الشحنات، وهذا ما حدث بالفعل أثناء استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014.

أما معدن الألمنيوم المهم للاقتصاد العالمي، فعلينا أن نتذكر أن أسعاره ارتفعت بنسبة 30% في عام 2018عندما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على الملياردير الروسي أوليج ديريباسكا مالك شركة روسال لإنتاج الألمنيوم، والواقع أن اهتزاز البورصات المالية جراء هذا الوضع لا يبدو الموضوع الأهم في مثل هذا الموقف،  لكن اهتزازها يؤكد أن الصراع سيكون مكلفًاً للاقتصاد العالمي ككل، سواء لطرفي الصراع أو جمهور المتفرجين، وربما يعقد الغزو الروسي لأوكرانيا، التي وصفت في السابق بأنها "سلة غذاء الاتحاد السوفياتي"، الصورة الفوضوية الراهنة للاقتصاد العالمي.

لا شك أن الاقتصاد الأوكراني سيكون أكبر المتضررين من الغزو، إذ تتميز أراضي البلاد بتربتها شديدة الخصوبة، حتى أن الزعيم النازي أدولف هتلر سرق كميات كبيرة من التربة الأوكرانية إلى ألمانيا بواسطة قطارات شحن أربعينيات القرن الماضي، ولكن، الكارثة تبدو أسوأ على القطاع الزراعي الذي يشكل 45% من إجمالي الصادرات الأوكرانية، ويسهم بحوالي 22.4 مليار دولار في الاقتصاد الأوكراني، ولهذا، انهارت أسهم 6 شركات زراعية أوكرانية كبرى في البورصات العالمية مع نهاية يناير الماضي بسبب مخاوف الحرب، مما اضطرها إلى بيع معظم أسهمها.

يعتقد الأوكرانيون أن اقتصاد بلادهم اليوم أقوى من ذي قبل، فالاحتياطات النقدية منتعشة الآن عند 31 مليار دولار، بعد 18 مليار دولار في 2014، لذلك، فإنهم يرون أن روسيا لا تهددهم فقط بالدبابات، بل تستهدف إضعاف اقتصادهم، ربما عبر حرمانهم من عائدات نقل سنوية بحوالي 3 مليارات دولار من مشروع "نورد ستريم 2"، وكل هذا سينعكس على التضخم والتصدير، والواقع أنه يصعب في الوقت الحالي تخيل حجم الضرر محلياً وعالمياً، فإذا كانت الحرب شاملة، فهذا يعني شللاً في الموانئ والمطارات، مما يعني حرمان المستوردين من صادرات كييف، وارتفاع أسعار منتجاتها محلياً وعالميا بنسب قياسية.

في المقابل، تتركز معاناة الغازي الروسي على تلقي ضربات العقوبات الدولية، والتي ستشمل في حالة الغزو البنوك المحلية، والشركات الحكومية، وصندوق الاستثمار المباشر، وطبقة رجال الأعمال القريبة من الكرملين، وتعليق عمل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الجديد، وتوسيع نطاق العقوبات على تجارة الديون السيادية الروسية في السوق الدولية، وعزلها مالياً عن آلية "سويفت"، وهو ما يعني حجب جزء كبير من الدخل الروسي بالعملات الصعبة التي تجنيها مقابل صادراتها، وهذا الأمر سيشل الاقتصاد الروسي، وستعتبره موسكو بمثابة إعلان حرب، ومن المرجح أن تستهدف واشنطن وحلفاءها بشكل مبكر البنوك الروسية التي تقدم خدماتها للنخبة الحكومية، بما في ذلك "بنك التنمية الروسي" قبل استهداف البنوك التجارية الأكبر حجماً مثل "بنك سبيربنك"، ولا شك أن العقوبات ستسبب فوضى كبيرة على المدى القصير، وستحد من نمو الاقتصاد الروسي.

 

 

 

خاص_الفابيتا