واصلت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، الدولتان الجارتان، تداعياتها وسط مخاوف لم تنته بعد، فيما تتجه أنظار العالم كله نحو متابعة نتائج الحلول الدبلوماسية، فالأزمات العسكرية لها نتائج سلبية، رغم أن الولايات المتحدة أوضحت تكرارا بأنها لن تكون طرفا مباشرا فيها كذلك بالنسبة إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي، فالجميع يعلم أن التدخلات العسكرية وتبعاتها لها آثارها السلبية اقتصاديا على العالم كله، خاصة أن العالم الآن لا يزال يصارع للخروج من أزمة كورونا ومحاولة عودة كبرى الاقتصادات للوقوف على أقدامها بعد الآثار الناجمة عن الجائحة.
يبقى الحديث في حالة اختارت روسيا التدخل عسكريا لحل خلافها مع أوكرانيا، الدولة الحليفة سابقا وأحد مكونات الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، فإن الولايات المتحدة ربما تمضي قدما في فرض أقصى العقوبات الاقتصادية على روسيا.
قبل الحديث عن العقوبات لا بد أن نستذكر أن روسيا تعد ثاني أكبر منتج للنفط في العالم وتحتل المركز الأول عالميا في إنتاج وتصدير القمح، والأمر لا يقل أهمية بالنسبة إلى أوكرانيا، حيث تحتل المركز الثالث في إنتاج وتصدير الذرة والرابع في إنتاج القمح. إذن، في حالة تفاقم الأزمة - لا سمح الله - بين الدولتين، فإن أكبر مصادر الطاقة والقمح اللذان يعدان شريان الحياة لبقية العالم سيتعرضان لعجز في إمدادات العالم منهما، ما سيفجر أسعار الطاقة والغذاء نحو الصعود بشكل كبير، فضلا عما إذا قررت الولايات المتحدة عقوبات على روسيا من شأنها وقف أو تحجيم صادراتها من النفط أو القمح أو كليهما.
ارتفاع أسعار الطاقة من نفط وغاز سيرفع التكلفة على المصانع والشركات، وسيسهم في زيادة نسب التضخم التي يعانيها العالم حاليا، كما ستتضرر قطاعات الشحن الجوي والبحري والبري التي سترفع أسعارها بسبب ذلك، ما يهدد برفع التكلفة وربما ضعف الطلب، ما يؤدي في النهاية إلى حالة من الركود، العالم في غنى عنها. ارتفاع التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة سيزيد من رفع نسب الفائدة المتوقعة لكبح جماح التضخم الذي بدأ قبل الأزمة الروسية - الأوكرانية بالاستفحال، وبالتالي فرفع الفائدة سيؤثر سلبا في أسواق الأسهم ويضعف الشهية للمخاطرة، خاصة إذا ما جاء بأعلى من توقعات الأسواق بسبب ارتفاع أسعار الطاقة الذي ذكرناه.
أيضا سيكون أكبر المتضررين في السوق الأمريكية قطاع التكنولوجيا الذي يستجيب سلبا وبشكل مباشر لأي رفع للفائدة، ولن تكون بقية القطاعات بمعزل مع اختلاف الأثر، بينما سيكون قطاع المصارف أكبر المستفيدين من رفع الفائدة وربما فرس الرهان الذي يمكن أن يتصدر المشهد والقطاعات المرتبطة به، إضافة إلى قطاع الطاقة وإنتاج النفط التي ستعزز من مكاسبها بسبب ارتفاع الأسعار وازدياد الطلب.
رفع الفائدة كذلك سيعزز من ارتفاع الدولار الذي سيضغط بارتفاعه على أسواق الأسهم والسلع، إلا أنه في حالة فشل المساعي الدبلوماسية للأزمة الأوكرانية سيكون الوضع ربما مختلفا تماما، حيث سيرافق الدولار في صعوده هذه المرة النفط والذهب، فالأول ذكرنا أسباب ارتفاعه، بينما سيكون ارتفاع الذهب كونه أحد الملاذات الآمنة في الأزمات.
كل هذه التأثيرات المحتملة - مع الأسف - تأتي في وقت حرج بين استمرار جائحة كورونا، التي لا تزال تضغط على سلاسل التوريد وكون الأسواق في قمم تاريخية، ما سيكون له أثر سلبي أكبر من المتوقع، والله أعلم بالصواب.
نقلا عن الاقتصادية