هزل «تيك توك» وجدّه

07/02/2022 1
د. عبدالله الردادي

أحد أقل التطبيقات جدية في المحتوى؛ هكذا يمكن وصف تطبيق «تيك توك» من النظرة الأولى إلى محتواه وملايين المقاطع المصورة فيه والتي لا تعدو مقاطع ترفيهية. ولكن خلف هذا كله قصة نجاح كبيرة من الشركة الأم «بايت دانس» التي استطاعت في أقل من 5 سنوات تحقيق ما استغرقت «فيسبوك» 9 سنوات لتحقيقه. فالشركة الأم نفسها لم تكمل حتى الآن 10 سنوات على التأسيس، ومع ذلك فقد تمكنت من الوصول إلى عدد هائل من المستخدمين من خلال عدد من التطبيقات، أشهرها على الإطلاق «تيك توك» الذي أبرز، وبشكل مقلق للغرب، أن الصين يمكن لها التفوق على الغرب في ميادينهم.

أطلق «تيك توك» في عام 2016، وكانت انطلاقته الحقيقية حين استحوذت الشركة الأم على تطبيق «ميوزكلي» في عام 2017 قبل أن تدمج التطبيقين في عام 2018. منذ ذلك الوقت؛ حقق «تيك توك» أرقاماً قياسية في جوانب عدة؛ أبرزها أنه كان التطبيق الأكثر تحميلاً من المستخدمين في عام 2020، متفوقاً على عمالقة التطبيقات الأميركية. كما أنه وصل إلى مليار مستخدم العام الماضي؛ أي إنه وفي 5 سنوات فقط وصل إلى ما وصل إليه «فيسبوك» في 9 سنوات، و«إنستغرام» في 8 سنوات، و«يوتيوب» و«واتساب» في 7 سنوات.

و«تيك توك» واجه مشكلات كثيرة مع عديد من الحكومات العالمية، فهو قد حظر في الهند منذ منتصف 2020، وسبق لحكومات إندونيسيا وبنغلاديش وباكستان إيقافه. كما أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب حاول إيقافه إبان رئاسته بحجة تعريضه الأمن القومي للخطر. ومع ذلك كله، وخلال هذه الفترة القصيرة، تمكن «تيك توك» من اجتياح عالم التواصل الاجتماعي، بل واكتساحه، متفوقاً على تطبيقات ضخمة، مستنداً إلى استثمارات ضخمة في الإعلانات بلغت في عام 2018 وحده مليار دولار!

ويبدو العالم الغربي قلقاً من انطلاقة «تيك توك» لأسباب عديدة؛ منها أنه تفوق على الغرب في لعبتهم المفضلة؛ وهي وسائل التواصل الاجتماعي، فقد استهدف هذا التطبيق شريحة مختلفة عن مستخدمي «فيسبوك» الذي يثيرون الموضوعات الجدلية، ومستخدمي «تويتر» الميالين إلى النقاشات السياسية، ومستخدمي «إنستغرام» الذين يغلب عليهم الاستعراض بممتلكاتهم. ويبدو التطبيق في محتواه هزلياً بحتاً، إلا إن خلف هذا الهزل خوارزمية لا يمتلكها «فيسبوك» بكل ما لديه من إمكانات في الذكاء الصناعي. وتعمل خوارزمية «تيك توك» على زيادة الوقت الذي يقضيه الأشخاص في مشاهدة مقاطع الفيديو، لا سيما مع قصر هذه المقاطع وكثرتها، وتحديث الخوارزمية طريقة عملها بحسب الوقت الذي يقضيه المشاهد في متابعة المقاطع واقتراح المقاطع التي تتناسب مع ذائقته. وتفوق «تيك توك» في هذا المجال وفي نموذج عمله جعل «يوتيوب» و«إنستغرام» يحذوان حذوه، فأطلق الأول خدمة «شورتس» والثاني «ريلز»، وكلتاهما مشابهة لأسلوب «تيك توك» تماماً.

ويبدو القلق الغربي معلناً من امتلاك شركة صينية كماً هائلاً من المعلومات؛ لا سيما مع إمكانية حصول الحكومة الصينية على هذه المعلومات، رغم التأكيد المتكرر من الشركة عدم إعطائها معلومات عن مستخدمين أوروبيين أو أميركيين للحكومة الصينية، وهو أمر يصعب التأكد منه بكل حال. ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الشركة الصينية وحدها، فلدى الغرب «ميتا» أو «فيسبوك» سابقاً، وهو مثال يصعب التغاضي عنه في انتهاك خصوصية المستخدمين وفي نشر خطاب الكراهية في العديد من الدول وعدم القدرة على السيطرة على المحتوى المنشور بلغات متعددة.

إن «تيك توك» أول تطبيق صيني يمكن وصفه بـ«العالمي»، وهو مثال على أن المنتجات الصينية يمكن أن تتفوق على مثيلاتها الغربية في الشعبية والجودة، فانتشاره لا يقتصر على الصينيين فحسب؛ بل هو منتشر في جميع أجزاء العالم، وما يقلق العالم الغربي هو انتشاره في الغرب نفسه. وهو - مع تفوقه الحالي - لا يزال في تطور مستمر، حتى أصبح من أهم المنصات المعروفة بـ«التجارة الاجتماعية»، فمقاطعه اليوم من طرق التسويق لمنتجات صناع المحتوى فيه، بل حتى البث المباشر فيه يستخدم وبشكل فعال في تسويق وبيع المنتجات، مما يعني أن الشركة الصينية قد لا تكتفي بما وصل إليه التطبيق من انتشار، بل ستسعى إلى تسخير هذا الانتشار في الانتقال بنموذج أعمالها إلى مفهوم أكثر جدية.

 

نقلا عن الشرق الأوسط